-5-
الفصل الخامس : شرحت ظروفنا للوقت لكن مافهم للشرح ! *
مرّت الأيام . بل مرّت الأشهر !
و " لا جديد عشاق ليلة اتفارقوا .. صاروا بعيد ! "
لم يتغير شيء ولم يحدث شيء ليكسر الركود الذي اعترى كلّ من حياة بندر و كيان
إلا أنّه و بعد مُضيّ أشهر , عادَ زياد !
زياد الذي أنهى دراسته بالخارج أخيرًا .. زياد الذي كانَ يبذل كلّ شيء فقط لأجل ابنة عمته " كيان " !
أراد أنْ يحظى بِشهادة مُشرّفة فقط ليكون رَجُلاً فِيّ عينها , كانَ مُستعد أنْ يُفني أجمل سنين عُمره
فقط لتكون " كيان " في آخر الأمر له .
لم ينتظر , فلقد انتظر سنين حتى تأتي هذه اللحظة التي يعود فيها
أخبر أُمّه عن رغبته بل عن أُمنيته , لم تستغرب والدته من طلبه
إلا أنّها أخبرت زياد أنّ كيان لتوّها أنهت سنتها الجامعية الأولى
وسيكون ذلكَ مُبكرًا عليها !
زياد : ايه بس عادي يمّه ! يعني نطوّل الخطبة نخليّها سنة و نطوّل فترة الملكة و كيان بتكبر !
أم زياد : أنا مابي إلا سعادتك بس أخاف البنت ترفض بحكم انّها صغيرة !
زياد : طيب انتي فهميّ أُمّها انيّ مو مستعجل أبي أتطمّن يمّه بس أبي أتطمّن أخاف تروح منيّ !
ابتسمت أم زياد : طيب يا زياد خير ان شاءالله .
نقلت أم زياد الموضوع على عجل إلى أم كيان التي أبدت تقبّلها للفكرة !
لكنّها طلبت وقتًا حتى تأخذ رأي ابنتها ,
يُطرق باب غُرفة كيان التي كانت تغرق في أحلام يقظتها , وتدخل أُمّها
التي تحدّثت مع ابنتها عن آخر أخبار صديقاتها و عن حياتها
قبل أنْ تُخبر كيان أنّه ثمّة موضوع ستُخبرها به
كيان : هلا يمّه , ش الموضوع ؟
أُم كيان : دريتي ان زياد ولد خالك رجع
كيان : الحمدلله على سلامته
أُم كيان : أم زياد فاتحتني في موضوعك انتي و زياد , ولا تخافين هو مو مستعجل لكن يبي يترك عندك خبر !
كيان : أيّ موضوع !!
أُم كيان : انتي عارفه من زمان ان زياد يبيك ! زياد تقدم لك يا كيان
- ذُهلت كيان و أحسّت أنّ الكون يلتف في رأسها -
كيان : بس يمّه ليييش ! أنا ماأبغى الحيين ما أبغى
أُم كيان : قلت لك مو الحين هو مو مستعجل يبيها بس خطبة لحد ماتكونين مستعدّة !
كيان : لا يمه لا ! الحييين لا !
أُم كيان : كيان فكريّ بعقلك و لاتاخذين قرار سريع استخيري ربّك , راجعي نفسك و تذكري انه مو الحين
بعد سنتين ثلاث سنوات , بتكونين في سنّ مُناسب ! الحين الخطبة بس عشان الناس تدري !
فكريّ يا بنتي فكريّ و اسألي ربّك !
خرجت والدة كيان من غُرفة ابنتها و أغلقت الباب و كأنّما كانت تُغلق كلّ منافذ الأُكسجين إلى جسم كيان
كانت تختنق ولا تستطيع لملمة نفسها و التفكير في شيء مُحدد !
ليس الآن ,
فقد كانت كيان تُعاني من فقد مُفاجئ , كانت لا تزال تعيش في دوامة الصدمة
كانت مُنسلخة من العالم , لا تعيشه ولا تعايش من حولها
لم تكن في وضع يسمح لها بإتخاذ أيّ قرار مصيري في حياتها !
هُناك كان بندر ,
يعقد اجتماعاته لأهم صفقة في حياته العملية حتى الآن , بندر من بعد رحيل كيان من حياته
انهمك في عمله , أصبح ينام ليعمل , يأكل ليعمل , يتحدّث ليعمل
تخلى عن الحياة كما تخلّت عنه كيان ..
كان يُؤلمه أنْ يتذكر كيان في كلّ طريق يعبره , و في كلّ اجتماع يعقِدُه و في كلّ صفقة يربحها و كيان ليست هُنا لتفرح معه !
كان يُريد أنْ ينتزع كيان من نفسه هذه الفترة كيّ يتهيأ لدُخول مُغامرة ماليّة لا يعلم نتائجها
رُغم صِغر سنّ كيان إلا أنّه لا ينسى كيف كان يستشيرها كثيرًا في عمله
وكيف كانَ يشعر أنّها من أولئكَ العباقرة الذين يملكون عقليّة تفوّق سنوات عُمرهم بكثير !
في مكتبه كانت أفكاره بكيان تُغرقه و تأخذه بعيييدًا حيثُ ذلك العالم الذي صنعته له كيان
أحمد : استاذ بندر ! استاذ بندر !!
بندر الذي عادَ من شروده فجأة : نعم !!
أحمد : الإجتماع بدأ من خمس دقايق و ينتظرونك !
نهض بندر مُسرعًا و استعاذ من الشيطان و دخل قاعة الإجتماعات خاليًا من الكيان ...
انتهى الإجتماع دون نتيجة واضحة !
كانَ ثمّة أشخاص مُريبين في ذاكَ الإجتماع هذا ما أحسّ به بندر !
أو أنّه أرهق نفسه كثيرًا و قسى عليها و هو الآن بحاجة لإجازة طوييلة يستعيد فيها ذاته !
ولا شيء غير النمسا سيحتوي شتات بندر و اهتزاز كيانه ,
قطع أعماله التي كانت في وقت مهم و ... عاد ليساااافر !
على الجانب الآخر ,
كان زياد ينتظر الرد بفارغ الصبر , و كيان قررت أنْ تُحكّم عقلها و تُخرج نفسها من حُلكة تغشى أيامها
و تستخير ربّها !
استخارت , رفعت كفيّها إلى ربّها سألته الخير ... وبكت
لم يطمئن قلبها !
لم تشعر أنّه من العدل أنْ تُجرّد نفسها من وفائها الأبيض بهذه السهولة
صحيح أنّ زياد سيمنحها كلّ ماقد تتمناه أُنثى , لكنّها .. لكنّها
لا تتمنى شيئًا سِوى ما سُرِقَ مُنِها !
خشيتْ أنْ توافق و تعيش مع زياد مُتوهِمّةً أنّه بندر , فَ تُخطِئ و تنطق اسم " بندر "
بدلاً من اسمه !
عقدت النيّة على إخبار أُمّها أنّها لا تستطيع الموافقة الآن !
لأنّها الصغيرة عُمرًا التي شاخت بها أحزانها , لأنّها التي تعجز عن مُمارسة الحياة بشكلها الطبيعي ,
لأنّها ..
في النمسا ’
كانَ بندر يُحاول نسيان كلّ ما خسر من هذه الحياة اللاعدالة !
قبل أنْ يصلّه اتصال يُخبره حقًا أنّ " الحياة أقسى من كونها ظاااالمة " !
بندر : آلو .. نعم !
أحمد : مرحبا استاذ بندر .....
بندر : فيه شيء يا أحمد ؟ انت عارف انيّ في إجازة !
أحمد : ايه ......
بندر : تكلّم يا أحمد !
أحمد : استاذ بندر لازم ترجع ... الشركة في الحضيض ! و الكلّ يطالب بحقّه بأسرع وقت
بندر صُعق بل و تصلّبت أطرافه , و تنهّد بقوّة قبل أنْ يُجيب : راجع ان شاءالله , راجع !
عادَ بندر سريعًا , و رأى بعينه حجم خسائره و هاهو يخسر حياته كاااملة !
لم يكُن هُناكَ مَنفذ , و خسر بندر كلّ أملاكه , بل و فوق ذلك كسرت كتفه ديونه
و .. أعلن إفلاسه
بوقتٍ كان بحاجة إلى شيءٍ يجبر كسره .. لكنّه تكسّر أكثر !
و عجز عن تسديد ديونه , ليسقط الحُكم عليه سِجنًا حتى يُسدِّد ماعليه
" مجوّد " الصغير سيفتقد والده كثيرًا , و أم ماجد بكت كثيرًا على زوجها الذي لا تعلم متى سيعود لها ولإبنها و ابنتها !
صباحًا ,
استيقظت كيان لتبدأ يومها بِ كوب حليب دافيء و تتصفح الجرائد كعادتها
لتسقط عينها على خبر " إفلاس رجل الأعمال بندر الكايدي .. والحُكم عليه سجنًا حتى تسديد ديونه ! "
يا الله ! يا الله ! يا الله !
رددتها كيان ثلاثًا , و انقبض قلبها و عضّت أصابعها حتى أجهشت في البكاء
كيف سيحتمل بندر وقع الصَدمة و هو وحيدًا خاليًّا من كلّ شيء !
عاشت كيان يومًا صعبًا أسودًا , فكّرت كثيرًا في بندر الذي بدأ يموت جزءًا جزءًا
شعرت أنّه بحاجتها ولكنّها لا تملك من أمرها شيئًا !
مرّ أُسبوع كامل و كيان لم تذق طعمًا للنوم أو الراحة ولم تأكل حتى !
صباح السبت , تأخرت كيان في نومها كثيرًا و اقتربت منها أُختها حنان لإيقاظها
حنان تهزّ كتف كيان و تحاول إيقاظها دون إجابة !!
حنان : كيان ! كيان ! كيااااان !
نزلت مُسرعة لتُناديّ أُمّها و أخيها الأكبر سلمان الذي حمل أُخته الصغرى و انطلق بها لأقرب مُستشفى
ها هي كيان تنام على سرير لا يُشبه إلا بياضها ,
تُحطيها الأجهزّة , و ثمّة مُغذيّ كان لا يمنحها إلا جزءًا كاذبًا من الحياة !
غابَ بندر عن حياته خلف قُصبانٍ بائسة , و غابت كيان عن حياتها إلى نوم هادئٍ مجهول !
كانت كيان قد كتبت شيئًا مُؤلمًا قبل أنْ تغيب عنّا كان إحدى رسائلها إلى بندر :
" إلى من كانَ لي صديقًا و أقرب الأصدقاء ,
ها أنا أراك ، بذات النظرة ، ذات الخيبة ، ذات التحديق بالأرض ،
ذات الإحساس ، ذات التواري خلف الصمت ، ذات انتزاع الأشياء ،
ذات فتح الأزرار ، ذات الخطوات الثقيلة ، ذات عدم الإكتراث ، ذات الصدمة ،
ذات الذهول ، ذات النهاية ، ذات الإنهزام ، ذات الصوت الخافت ،
ذات اختيار كلمة واحدة ، ذات الرغبة بالرحيل
ها أنا أراك تعيش ذات الأشياء التي عشتها يوما لكن لسبب آخر ! "
+ ما قبل نهاية الفصل الخامس :
خرجتَ من أعماق حياتي ، وتركت بي فراغاً شوهني
فراغاً لا يتسع لغيرك ..
فراغاً كلما تفقدت عمقه أدركت كم كان حجمك بي وحولي كبيراً ! *
........ يتبع