منذ أن خلق الله آدم، والإنسان في عداء مع الشيطان، فقد أقسم الشيطان
أن يغويه ويضله بعد أن غوى هو.
تتنازع الإنسان شهواته ورغباته، إما أن تستمكن منه، وإما أن يستقوي بربه
ويجاهدها، وينتصر عليها فيكون له الفلاح والفوز على قدر انتصاره على
شهوات النفس، وعلى وسوسة شياطين الإنس والجان.
الصيام واحد من تلك الوسائل التي يستعين بها المسلم على حفظ نفسه من الشهوات،
كما أنه إذا أراد حفظ صيامه، فإن عليه أن يحفظه هو من خلال ضبط أخلاقه
في فترة الصوم، حتى يكون صيامه سليماً، ويكونَ له ( جُنة ) .
ويمتاز الصيام في رمضان بتصفيد الشياطين، ولذا فإن المتصور سهولة حمل النفس
على الخير ودفعها عن الشر وصرفها عنه خلال أيام هذا الشهر الفاضل، فإن اعتادت ذلك
الإجبار خلال الشهر كاملاً فهو أدعى لأن تستمر في ترك ذلك الخلق السيء،
أو على فعل خلق آخر حميد لم يكن من جبلتها.
[ الصيام والعفاف ]
في توجيه نبوي : " يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".
إنه إرشاد واضح لأن للصيام فعلاً واضحاً في إعفاف النفس وكفها عن الحرام؛
لكن هذا بالتأكيد لن يتأتى لمن يقارب الفاحشة ويحوم حول حماها: بنظر محرم سواءً
كان ذلك مباشراً أو من خلال مسلسلات تلفازية أو غيرها.
ولذلك جاء الإرشاد الرباني بعد ذكر أحكام إتيان الزوجات في رمضان:
" تلك حدود الله فلا تقربوها " ، فعبر بالمقاربة، كما قال أيضاً : " ولا تقربوا الزنا ".
إذن؛ فهي رسالة واضحة:
الصيام يكفك عن الحرام، فيما لو ابتعدت أنت بنفسك عن
سبل الحرام، ولم تؤجج شهوتك بنظر وسماع وقراءة ونحوها، فلا يستقيم أن تسكب ما
يشعل النار ويطفؤها معاً.. ستظل مشتعلة!.
[ الصيام وحفظ اللسان ]
ينفر الإسلام من السباب والشتم في كل الأحوال، وكان هنا في الصيام آكد،
ففي الصيام تُكف النفوس عن أمور مباحة لها في الأصل: من أكل وشرب وجماع،
فكيف بما هو في الأصل محرم، ألا ينبغي أن يزداد تأكد النهي عنه؟
كان ذلك التحذير واضحاً في الحديث النبوي: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل
فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ، وليس المعنى أن يبطِل الإنسان صيامه فيأكل
إن هو سب؛ لكنه ينقص أجر صيامه وربما أذهبه بالكلية.
السباب أمره خطير، لأنه من أعمال اللسان، وتعد أعمالاً سهلة كثيرة التكرر في يوم الإنسان،
ولذا فهي من أكثر ما يورد الموارد ويهلك البشر:
" وهل يكب الناس على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم " ؟!
فينبغي أن نحذرها ونكف عنها في كل وقت؛
وليكن رمضان فرصة للتعود إن لم نكن قد اعتدنا.
ولأن الإنسان قد يتعرض للسب ابتداءًا ، فكان التوجيه النبوي له بأن لا يرد بمثله،
بل يذكر حاله، أو يذكر نفسه بالصيام ورغبته في حفظ صيامه:
" فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم " ، وهو ذكر باللسان أو القلب.
إذن؛ هو كف عن ابتداء السب، وعن مقابلته بمثله..
وصون للسان عما لا يليق بالمسلم، فلنتبع الهدي النبوي في هذا،
وإن اعتياده شهراً كاملاً يكفل لنا - إن شاء الله - أن نعتاده بعد ذلك.
[ الصيام والتقوى ]
الكلام في هذا يطول، ولعل ما سبق أجزاء من التقوى، وستفرد هذه المرتبة بحظها
ونصيبها من النظر، لنطلع على التقوى في القرآن.. وما أجمل ما ينتظرنا هناك!.
يكفي أن نقول: أن التقوى تحفظ صيام العبد، والصيام يجلب التقوى!.. جعلنا الله من المتقين.
أسأل الله أن يجعلكم موفقين مباركين، وأن يتقبل منكم الصيام والقيام
وصالح الأعمال..
أرجو النشر.. نصاً أو اقتباساً، وجزى الله من ينشر خير الجزاء..