بسم الله الرحمن الرحيم
شهر رمضان المبارك..
{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان }..
أنى لي أن أصفه.. و أصف خيراته و فضائله.. فهو شهر عظيم، خير الشهور و أعظمها فضلاً..
و يكفيه أنه: { أنزل فيه القرآن }.. و فيه ليلة القدر.. التي هي خير من ألف شهر.. و فيه عتق
من النيران، و فيه عبادة من أجل العبادات؛ لا يعلم أحد قدر المكافأة و الأجر الرباني عليها: الصوم.
..
.
{ شهر رمضان }
- ترى.. ما سر ذلك الاسم الذي سمي به هذا الشهر.. و ورد ذكره في القرآن به..
و لَم يذكر غيره من الشهور بالاسم؟
قيل أنه من الرمض.. و هو شدة الحر..و فيه – بعض الأحيان – حرارة في الجو،
و حرارة الجوع و العطش.. و حرارة أخرى مختلفة:
حرارة الإيمان..!
فهي إنما تكون في هذا الشهر الفضيل..حين تغلق أبواب النيران.. و تفتح أبواب الجنان..
و يعتق الله عز و جل أنفساً كثيرة من النار..
تتزكى الأنفس و تلبي نداء ربها إلى الرحمة و المغفرة.. و تلهج له النفوس المؤمنة
بالدعاء، و تصوم مستجيبة لأمره، تاركة لما نهى عنه..فيتوب العاصي، و يستزيد المطيع،
طمعاً في كرم الله و عفوه..
ينادونه: إنك عفو تحب العفو.. فاعف عنا.. فلا يرد دعواتهم.. و لا يخيب رجاءاتهم.. و يغفر زلاتهم..
هو رمضان..
يرمض الذنوب ( يحرقها ) و يزيلها..فيخرج منه أقوام كما ولدتهم أمهاتهم..
لباسهم أبيض نقي لا تخالطه شوائب المعاصي و الآثام.
..
.
{ الذي أنزل فيه القرآن }
القرآن.. أعظم كلام و أزكاه.. و أعذب الحديث و أنداه.. كلام الله..
و من أصدق من الله حديثاً؟.. و من أصدق من الله قيلاً؟..!
كلام الله.. فيه من العظمة و الجمال شيء يفوق الوصف.. و تعجز عنه الأخيلة؛
و تتقاصر أمامه الكلمات..و أجمل وصف فيه ما وصفه به منزله فيه.. ثم ما يذكره
عنه المنزل عليه: محمد صلى الله عليه و سلم..
و لما حاز هذه العظمة و ذاك الشرف.. كان لنزوله شأناً عظيماً..
و حدثاً يستحق أن يُذكر.. فاختير له وقت فضيل عظيم.. فكان ذلك التنزل: في رمضان.
فكان ذلك الشرف لرمضان.. أن تنزل القرآن الكريم فيه؛ من الله عز و جل إلى اللوح المحفوظ.. تنزلاً أولاً..
و ذلك في ليلة عظيمة أيضاً..هي خير ليالي رمضان:
{ إنا أنزلناه في ليلة القدر }..
.. و من هنا تنطلق العلاقة الخاصة، و العميقة بين شهر رمضان و بين القرآن..
فيكون رمضان: " شهر القرآن ".. يعرضه و يراجعه محمد صلى الله عليه و سلم في
هذا الشهر مع أمين السماء: جبريل.. و تُحيا ليالي الشهر الفضيل بمزيد قيام و قراءة للقرآن،
حتى يترك العلماء بقية العلوم لينشغلوا بخير الذكر.. و خير العلم.. و خير الكلام:
القرآن الكريم.. خلال شهر القرآن هذا.
و أنت أيها المسلم المبارك..و أنت أخـتي..
انشغل، و اشتغل بالقرآن خلال شهر رمضان؛ و لتكن العلاقة بينك و بينه علاقة
وطيدة تبدأ من هذا الشهر الفاضل.. لعلك تظفر منه بشفاعة في يومٍ أنت أحوج إليها
من كل شيء في هذه الدنيا..
ليكن شغلك القرآن: قراءة.. و تدبراً.. سماعاً.. و تدبراً.. صلاة.. و تدبراً.. و خض
في أسرار آياته و أبحر في معانيها.. و تعمق في علومها..
عش مع الله:
من خلال قرآنه.. و اقرأ خطابه لك يوم يناديك و يوصيك.. و يوم يعظك و يعلمك..
عش مع آيات الوعد و الوعيد و ابكِ أو تباكى.. و بين آيات القرآن.. توقف
و اسأل مرغوباً..
و تعوذ من مكروه؛
و تأمل معنى..
و افهم مثلاً..
و استنبط فائدة..
إنه قرآن منزل.. لنقرأه؛ و لكن: بتدبر..! { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته }..
و فيما أنت تتلو آياته و تصدح بها مرتلاً متأنياً تجني أجراً عظيماً..
فكل حرف منه بحسنة.. و الحسنة بعشر أمثالها.. و الله يضاعف لمن يشاء..
.. و أنت يا هاجر القرآن..
أما آن أن تعود لتلاوته.. و تنفض الغبار عن دفتي مصحفك؟
أما آن تعود لربك.. و تقترب منه أكثر.. بقراءتك لآياته؟
أما آن أن تلين قلبك.. و تعيد لقلبك النبض و الحياة من جديد بنبض إيماني
من خلال القرآن العظيم؟
قل قد آن..
و سر في ركب أهل القرآن.. و اقرأ و اسمع و صلِّ..عد إلى القرآن بمحبة
و قلب مقبِل، فسورة منه كان حبها سببا لدخول عبد من العباد للجنة..
و أنت يا من يريد حفظه: رمضان فرصة..
و يا راغب مراجعته: رمضان فرصة..
و يا حريصاً على فهم معانيه: رمضان فرصة..
و أنت يا من لم يتدبره: رمضان فرصة..
و أنت يا من يريد تعليمه: رمضان فرصة..
فرصة.. و قد لا تتكرر؛ فلا تفرطوا فيها.. و لا تضيعوها.. استغلوا كل نسمة هواء
في حدود رمضان و اجعلوها بينكم و بين الله لكم فيها أجراً.. و اجعلوا جلها في القرآن
و من أجل القرآن.
أسال الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، و نور صدورنا و جلاء أحزاننا
و ذهاب همومنا و غمومنا و أن يجعله شفيعاً لنا.