*
في شتاءٍ سابق ، قُلت لي بـ أنك راحلٌ يا عزيزي !
قُلت لي ، بـ أنك اعتقتني !
واكتفيت بـ الرحيل ، دون الوداع ،
دون تحمّل اعباء الفراق !
ابتسمتُ حينها ، بالرغم من ان الكثير بداخلي
كان يبكي باوتارٍ صوتيّة مبتوره
بـ حُنجرةٍ مستوره ، بل مكبوته !
ابتسمتُ رُغم انني شعرتُ بالكثير من الخيبات
بـ الكثير من الطعنات !
أخبرني الِآن ،
ما الذي عاد بك ؟
ألا تذكر تلك الليلة ؟ حينما وضّبتَ حقائبك ،
وحملتَ بداخلها ، بعض من همساتي ، واشواقي ،
بعض من رسائلي المُمزقه ، وقليلاً من الورود المُتفتّحة ، المُتجففه !
ألا تذكر كيف كان وداعك مُر ، كيف كان قاسِ ؟
كيف اثقلتني بالكثير من الألم ، بالكثير من المآسي !
كيف أحييت شيخوخيّتي مبكّراً يا عزيزي ، الا تذكر ذلك !؟
,
يالله !
أتذكّرك بوضوحٍ تام !
يومها كُنتَ مُتوهّج وكأنك سعيدٌ بفراقي !
كان شحوبك متوهّج بطريقةٍ غريبه ، لم اشهدها ابداً ، طوال سنواتي الـ عميقه بك ، الجريحةَ منك !
اتذكّرُ كيف كان هدوءك عاصف ، كيف انتشلني من عمقِ سعادتي
وعصف بي ، وركلني ، لـ العمق المُضادّ تماماً !
اتذكّرُ ملامح وجهي ، من خلال عينيك !
بعدما همست لي بـ انك ستعتقني !
ولم تأبه ابداً ما ان كُنتُ حقاً سـ أُعتَق ، ام سـ أُصعَق !
اتذكّرُ كيف ابتسمتُ حينها !
ليس ﻷجلك ، وليس لـ أنني احببتك بالطريقةِ الخاطئه !
ليس ﻷنني اعتبرتُك المنفى ، والمأوى !
وليس ﻷنني شعرت سابقاً وفي لحظةٍ ماضية ، بأنك علّمتني الكثير ، و وهبتني الكثير ،
ليس ﻷنني في يومِ ما ، بُت لا ارى سواك ، ولا اتحدّث لغيرك ، ولا اُنصت إلا لك ، وﻷجلك !
صدقني ، لم ابتسم ﻷجل ايّ منك !
فقد كان ذلك ، ﻷجل تلك المرأةِ القويّة المظهر امام عينيك !
ابتسمتُ لـ الفوضى التي عمّتها ، وبعثرتها
و لـ القَدر الذي لمّها ، لـ يُشتّتها !
ابتسمتُ ﻷجلها فقط ، ﻷجل شيءٍ ما ، سُفح بداخلها ،
وﻷجلِ شيءٍ ما ، هَتك جوفها ، ودمّرها ، ثم رحل !
أضحَكَني هذا الألم كثيراً أيها الصاحب ،
اضحكني طويلاً ذلك الجُرم الصاخب !
أضحكتني يا عزيزي !
بـ قدر أيامنا السوداء الطويلة الكثيره ،
التي تفننتَ كثيراً بـ غرسِ أوجاعك بها ، لـ تنمو بداخلي ، لـ تُؤذيني ، لـ تُهلكني !
لماذا عُدت الآن ؟
بعدما استطعتُ الخلاص منك ! ” كما اظن “
بعدما تناسيتُك ، بل تفننتُ بـ الاستنساء !
لماذا تُثيرُ بعودتك صفحاتٍ من الماضي !
وانتَ قُلت لي ذاتَ مساء ، غاليتي إنسي ايامي !
غاليتك رُغم الألم الذي كان يسكُنها ، إلا انها تغاضت ،
وتمنّت ان تتنفّس مجدداً ، فـ ظنّت بأنها استطاعت !
غاليتك تلك ، لم تنسى ابداً ، ولكنها تناست !
آهٍ يالله ! حقاً لا يُشبهُ كلانا الآخر !
فـ احدُنا يتفنّن في غرسِ الوجَع !
والآخر يتفنّن على ساحةٍ من التناسي ، لتفادي تلك المآسي !
لماذا عُدت يا رفيقي ؟
ألم تقُل بأنك اعتقتني ؟
فـ لماذا اذاً عُدت لـ تعتقلني ؟
ألأنني سلّمتك ابتسامة على صفائح من التعاسة
في ذات شتاء ، مُثقل بالكآبه ؟
ام ﻷنني رضيتُ بك سابقاً ، رُغم يقيني ، بأنك ستقتلني يوماً ما ،
سـ تنتزعني مني ، فقط لـ تعبث بي !
ورُغم ذلك ، لم أشأ ابداً ، ان أحذر منك !
لم أكُن متأهبه ، ﻷي يومٍ ساحقٍ ، قد يُبعدني عنك !
قد يصرفني مني ، وينسيني ايّاي ، ويأمُرني ايضاً بـ نسيانك !
أم انك عُدت ﻷن الكثير ممن ذهبتَ إليهم لم يستطيعوا تحمّل اعبائك ، ومتاعبك
فـ كُنت انا وكعادتي ، الـ حُضن المُستضيف ، المُمتليء بالكثير والكثير من المشاعر العميقةِ لك ، الوفيرة بك !
عزيزي ،
انتَ عُدت ، لـ كُلّ هذه الأسباب ، أستطيعُ معرفة ذلك !
عُدت ﻷنك احتجتني الآن ، وعرفتني الآن !
واحترمتني فقط الآن ، ولكن بعد فوات الآون !!
انتَ عُدت يا عزيزي ، ولكنّ من تركتها في ذلك اليومتُصارع الآمها لوحدها ،
توشّحها كفنها !
و دُفنَت بـ مُفردها ، رُغم انك في يومٍ ما ، وعدتها ان تكون في ذلك الوقت ، بجانبها !
,
يارب ! اغفر له ذنوبه ، وخطاياه ،
اغفر له الكثير من الوعودِ الباطلةِ التي وعد بها ، ولم يُنفّذها !
اغفر له ياربي ، ما حلّ بي ، من اجله ، وبسببه !
اغفر له الكثير والكثير ، من اكاذيبه و الاعيبه !
أيا صاحبي !
خبأتُ لك هذه الرسالةُ الأخيرةُ من الحنين !
وكعادتي ! وضعتُها بجانب تلك المزهريّة المُهترئه ،
ولكنّ زهوري اليوم ليست كعادتها ، لم تكُن مُتفتّحه ، لم تكُن مُعطّره ، بل كانت سوداء كـ اسوداد تلك الليلة ،
كانت زهوري ميّته !
و كنتُ انا أكتبك ايُّها العزيز ،
بـ رُغم جراحي الفائضة العميقة و بـ رُغمِ زهوري الذابلة الحزينة !
وداعاً ، إلى أن أنساك ،
إذاً ، وداعاً أبديّاً يا هذا ، فـ أنا لن انساك !
* عنان النافع
* @3nan_N