"إلى أين ياسارة .؟"
"سوف أذهب لألعب مع سامي يا أمي"
"لا تخرجي من البيت أبداً .. ولا تذهبي إليهم .!"
"لماذا .؟ أكبرت اليوم أم ماذا .؟"
"سارة"
صرخت أمي بعصبية ..
"قلت لا تذهبي .!
لن أضطر لأن أعيد ما قلته .؟"
"حسنا ..!"
ذهبت أجر أذيال الخيبة
وعلت قسمات وجهي علامات الدهشة من تصرف أمي معي ..
لماذا يا ترى منعتني من الذهاب إليهم ..؟
دلفت إلى غرفتي وتوجهت إلى النافذة لكي أراقب الوضع ..
"من هنا يبدو أنني سأرى"..
سحبت مقعد طاولتي الورديّ لأقف عليه
حتى تتسنى لي الرؤية بشكل أكبر ..
كانت نافذة غرفتي تطل على بيت سامي
وكنت أحيانا أتحدث إليه من النافذة ونتقاذف الألوان واللعب ..
المنظر الخارجي للمنزل اليوم يثير الدهشة ..!
السيارات بالخارج كثيرة ..
والناس مابين داخلٍ وخارج ..
وضع غريب .!
ذهبت مسرعة إلى أمي ..
"أرأيت منزل عمتي .؟ ..
يقف الكثير من السيارات بالخارج ..
والبوابة مفتوحة على مصراعيها ..
والناس يدخلون ويخرجون و..... "
"توقفي ياسارة "
صرخت أمي ..
قذفت أمي بنفسها على الأريكة وغطت بكلتيّ يديها وجهها الصغير ..
أكاد أسمع نحيباً ..
"ما بكِ يا أمي .؟"
"لاشيء يا سارة .. اذهبي إلى غرفتك حالاً"
"لن أذهب حتى أعرف ماذا يحدث هنا ..
منعتني أولا من الذهاب بلا حجة ..
وأتيت أستفسر عن سر الازدحام والضجة عند بيت سامي ولم تجيبيني ..
واكتفيت بدموعٍ لم ترضي حتى أن تخبريني سرها .؟!"
"اذهبي إلى غرفتك ..
مازلتِ صغيرة ولن تعرفي حجم المأساة بعد ..!"
غادرت غرفة الجلوس مرغمة ..
"ماهذه الألغاز التي تعج بالمنزل اليوم .؟"
تمتمت بغضب ..
\
/
عرفت فيما بعد أن عائلة دانه قد أصيبت في حادث
وتوفي والداها جراء ذلك ..
وأن عمتي سوف تتكفل بتربيتها ورعايتها حتى تكبر ..
تألمت حينما علمت بخبر الوفاة ..
لأن فقدان الأب أو الأم مصيبة كبرى..
فما بالكم حينما يُفقد الاثنان معاً ..؟!
\
/
نظراً لصغر سني فقد صدَقَت أمي
فأنا لم أعرف حجم المأساة بعد ..
كنت أعلم أنه شيء مؤسف ومؤلم ..
ببراءة طفلة ليس إلا !!
\
/
"ماما ..
أأستطيع أن أذهب إلى سامي اليوم .؟"
سألت بحذر ..
ونظرت إلى عينيّ والدتي أحاول أن أستنتج
من خلالها ماستقوله شفتاها ..
فالبعض تقرأ أفكارهم من مجرد التحديق بعينيهم ..
ليس كل من يحدق النظر فهو يجيد الاستنتاج بالتأكيد !!
"نعم .. اذهبي لتري دانة ..
انتظري سأعطيك بعضاً من الحلوى لكم"
"عليك ياعزيزتي أن تشاركي دانة ..
وأن تلعبي معها .. وليس أن تتعاركا كما أنتما دوماً"
أصغيت إلى أمي بإهتمام ..
لا شكّ أنني بدأت أحس أن الجميع يهتم بدانة الآن ..
\
/
"سااااااااااامي ..!"
طرقت الباب بقوة ..
"ألا تعرفين كيف تطرقي الباب بهدوء ..!"
خاطبتني دانة عندما فتحت لي باب المنزل ..
"أين سامي .؟"
"في الداخل .."
أزحتها عن طريقي برفق متأهبة للدخول إلى المنزل ..
فليس من المتوقع أنني سأطيل البقاء واقفة أمام الباب ..
"إلى أين ستذهبين .؟"
"إلى سامي .."
تسارعت خطانا انا ودانة وكأننا في سباق ماراثون ..
لست أدري سبب عدوها ..
هي لا تريد أن أقضي دقيقة مع سامي بدون تواجدها ..
كلما هممت أن أتحدث إليها تذكرت حديث أمي بأنها اصبحت وحييدة ..
وأن الوحدة امر قاتل قد لا تعي دانة مدى خطورته
في الوقت الحالي لأنها صغيرة ..
قد يشعر الإنسان بالوحدة حتى وان كان الجميع حوله ..
هذا ما علمتني إياه حياتي بعد ان كبرت .!
\
/
لم نكن نعرف معنى الغيرة .. وكيف أن من يحب يغاار ..
ويبذل جهده ليبقى طرفه الآخر له فقط ..
ولا يشاركه أحد فيه ..!
ولكن تصرفاتنا الطفولية كانت تدل على ذلك ..
برغم أننا صغار ..
إلا ان هذا الشعور تولّد لدى كل واحدة منا ..
كما الحب ..
فالحب صديق الغيرة أغلب الأحيان ..
ومن يحب بصدق يجب أن يلازمه هذا الاحساس ..
كنا نحب بصدق ..
حب طفولي ..!
\
/
تغير سامي ..
وتغيرت الحياة ..
تغيرنا جميعا ..
لست أدري كيف دارت عجلة الزمان بسرعة ..
كيف لم نعد معاً ..
كيف افترقنا بعد أن كنا لا نطيق افتراقاً ..
وكيف اجبرتنا السنون المجحفة على مرٍ لم نحسب له حساباً ..
وهل للطفل أن يحسب حساباً لشيء .؟
\
/
لم تعد زياراتي لسامي كثيرة ..
سامي تغيّر ..
فلم يعد مثلما عرفته ..
لم يعد سامي "سارة"..!
لم أكن أره إلا في أيام إجازة الاسبوع ..
حينما كان عمتي تزورنا كما جرت العادة ..
ويصطحبون دانة طبعاًَ ..
\
/
"سارة .. لماذا لا تذهبي إلى بيت عمتك ..؟
أنتِ لم تزوريهم منذ فترة ..
مع أن الزيارة كانت_سابقاً_ واجباً من الواجبات ..!"
"لا ياماما .. سامي لا يود أن يلعب معي ..
فدانة اصبحت تلازمه وصارت كافية ..!"
\
/
كبرنا ..
كبر سامي وانا ..
ودانة ..
واصبحت التقاليد هي التي تحكم علاقاتنا ..
كبر إحساس الحنين بداخلي ..
كسنون عمري التي جرت بدون سامي .!
ونما حبّه بداخلي وأنا لا اشعر ..
كما كنت أحبه صغيرة بدون شعور ..
الحب نعمة ..
وإن كان من الصغر فهو صادق لأبعد الحدود ..
لاننا لم نكن نعرف معنىً للخيانة ..
وللجرح ..
والكبرياء ..!
\
/
كان مجرد ذكر اسمه يحيي في نفسي الذكرى ..
والشوق لأيام الصبا ..
وحب خجول مازال بداخلي ..
\
/
كبرت ..
وأصبحت ذكرياتي هي جسر التواصل بيني وبين
طفل"سامي" ..!
أما سامي نفسه ..
فلم أعد أعلم عنه شيئاً ..
بإستثناء صلة القرابة بيننا ..
\
/
اصبح درجي الوردي ممتلئ بخواطر شتى ..
فقد علمني حبي بأن اسطر مشاعري على الورق كي تبقى ..
كما ذكرياتي التي في أعماقي باقية ..
\
/
كتبت وكتبت ..
وأصبحت املك قلماً مرهفا وحساسا ..
بشهادة الكثير ممن اطلع _ولو بخفية_ على كتاباتي ..
ولكنهم لا يعلمون ..
بأن سامي كان عنوان كل ماخطته أناملي ..
وليته كان يعلم .!
\
/
كان كل ماتبقى لي من أيام صباي ..
ذكرياتي ..
وصندوقها الذي صنعناه انا وسامي ..
والذي لم أتجرأ حتى هذه اللحظة في فتحه ..
لأن الذي بيننا كنا عهداً ..