في ليلة شتوية ..
وفي تلك الصالة الدافئة ..
جلستا ، (رؤى) و (سارة) <-- أصغر بنات الخال منصور ، يلعبان بعرائسهما ، لم تكن الواحدة منهما تتجاوز عامها التاسع ..
أقبلت الجدة / العمة (نوره)
نظرت إلى التلفاز ، ابتسمت ثم سألت : " ما شاء الله .. وين ذا المطر فيه "
أجابت ساره : " في الباحة يا عمتي "
كانت نشرة الأخبار تعرض تصويراً لجريان الأودية بعد هطول الأمطار ..
صوت المذيع المخضرم : " هطلت اليوم أمطارٌ غزيرة على منطقة الباحة ، سارت على اثرها الأودية والشعاب ، كما وهطلت أمطار أخرى متفرقة على منطقة ............................... "
رددت الجدة / العمة .. "جعل القرينة السيل "
من المطبخ خرجت (طرفه) أو كما يسمونها (طريّف) <-- زوجة الخال منصور ..
أقبلت تغني بلحنٍ سامري " السيـــل يا ســدرة الغــرمول يســـقيتس ...... "
تتمايل في مشيتها ، كأنها ترقص ..
ثم رفعت شيلتها وبدأت ترقص فعلياً ..
الجدة / العمة (نوره) تضرب على المكتبة الخشبية محدثةً إيقاعاً سامرياً كما الأغنية ..
وبدأن يتمايلن طرباً ..
" السيل يا سدرة الغرمول يسقيتس .. من مزنتن هلت الماء عقربيه "
رؤى وسارة
تنظران .. مبهورتان بالمشهد ، ثم تضحكان ببرأة الأطفال ..
كم كان الموقف مضحكاً ، وكم كان لا ينسى ..
...
حول (المنقد) في (بيت الشعر) الخارجي ، اجتمعوا ــ منصور وأخته نوره وزوجته طريّف ورؤى وساره ــ
" الحليب بالزنجبيل " و " الصبيب / المراصيع بالسمنة والسكر "
والحديث عن ذكريات القرينة ، والرياض القديمة .. حيث هاجروا
" دكان سلامة " / " مريزيق الخبل "
والعديد من الشخصيات التي تخيلتها رؤى ، ورسمتها في عقلها ..
(سيأتي يوم وأرى أطلالهم .. أطلال تلك الشخصيات أو ربما أراهم أنفسهم وجهاً لوجه)
دخل ثامر بيت الشعر وبعفويته المعتادة قال : " أوووه .. وانا أقول وش هالنور أثر عمتي نوره عندنا .. اسفرت وانورت "
ثامر .. اللوقي .. أبو لسان .. وثامره في حال غضبوا عليه ، كان في المرحلة الثانوية ، يحب عمته نوره حد الجنون ..
التفت إلى ساره ورؤى ثم قال : " رؤى .. وش ذا الزين ، كل يوم ألبسي أحمر ، تدرين أني أحب اللون الأحمر "
ثم قال لساره : " جبت لكم شي .. انتِ و رؤى "
ساره ورؤى : " وشو "
أخرج من جيبه "بسكوت لولو الصغيرة" الذي كان هوس ساره في تلك الفترة ..
الا أن بسكوت لولو لم يلقى الحفاوة المعتادة ..
والسبب بكل بساطة ولذاذه : " ابو فروه استوى "
قالت رؤى : " ناكل البسكوت بعدين "
وافقتها ساره ثم طلبت باستحياء : " رؤى .. عادي لو كانت الصورة اللي عندك جديدة آخذها "
رؤى : "اي صورة "
سارة : " اللي في بسكوت لولو "
رؤى : " يطلع معه صور !! "
سارة : " ايه .. ما تدرين "
رؤى : " توني أدري .. خلاص خذيها "
...
اليوم .. رؤى ، وسارة ، والجميع كبروا وتغيروا ، الا أن القلوب بقيت كما هي .. محبةً متصافيةً ..
في ليلة شتوية ماطرة ..
اجتعوا في منزل الخال منصور ، رؤى وجدتها وامها وخالاتها ..
يناقشون موضوعاً حساساً بالنسبة لهم ..
جواهر "خالة رؤى" : الحين ابوصالح ذا يزوج ولده لــ هاليهودية ، وبدرية يوم خطبها ذاك الحجازي السنع
قوموا الدنيا هو وأخوانه عشان ما تاخذه !!
رؤى : يهودية يا خالتي ؟!!
جواهر : مدري ، بس امريكية ، وش بتطله يعني ..
رؤى : يعني عشانها امريكية قلتي يهودية ، طيب يمكن مسيحية ، أو مسلمة ، انتم وش يدريكم !!
حصه "بنت منصوره الكبيرة" : مسيحية ، مسلمة .. يكفي انها اجنبية ، بعد وليتها زينه .. خلق الله حسن ، تحوم "التسبد"
لطيفة "ام رؤى" : لا عاد ظليمتها شينة ، مملوحه وبيضاء وشعرها ناعم
حصه : الا حميصاً تروع
سارة : والله إذا هو مقتنع بها ن خلاص ، الله يهنيهم ..
رؤى : وأصلاً ....
لم تكمل رؤى حديثها ، فقد اسكتتها نظرة من والدتها ، تلك النظرة لم تقل سوى جملة واحد " البزران مالهم دخل "
تعلوا الأصوات ، ويحتد النقاش لأن (وجهات النظر اختلفت) !!
"ابو وصالح وابنه وزوجته الامريكية " .. يال القضية المهمة !!
لم يهدأ النقاش الا بعد أن صرخت السماء ..
أتراها غاضبة كما رؤى ؟
لا تحب أن يتدخل أحد في شأن لا يعنيه ..
رعد و برق ، وصمت يلف الصالة الدافئة ، فقط كان صوت الجدة / العمة (نوره) يعلو بعد كل صوتٍ أو ضوء ..
" لا إلــه إلا الله " .. ثم يرددون خلفها ما قالته
كم كانت تلك الأمسية رهيبة ومثيرة ..
...
صباح الخميس الذي تلاه ..
الجدة نوره تتحدث مع "طريّف" عبر الهاتف
- " الله المستعان .. صار لي حول الخمسطعشر سنه ما طبيت الزّرينة .. من عقب ابو أحمد الله يرحمه معاد رحنا لها "
" ايه ان شاء الله .. هذي الساعة المباركة"
" عقب صلاة الظهر"
" بأقول لمنيرة تكب جريش"
" فمان الله "
ثم التفتت على بناتها ، لم يفهم أحد ما دار
الجدة : تولموا .. بنروح للزّرينة مع خالكم منصور .. بنتغدا فيذاك ..
علت ابتسامة فرح وعدم وتصديق وجه (رؤى) ، فهي لطالما تمنت الذهاب لتلك القرية ..
رغم انها لم تسمع ما يشجعها على الذهاب سواء من خالاتها أو حتى من والدتها ..
وبأمر من الجدة ، اتصلت رؤى بخالها الوحيد ( أحمد )
وأخبرته أن الاجتماع بعد صلاة الظهر " عشان يمدينا نوصل قبل العصر"
..
في الطريق ..
رؤى تسأل خالتها منيرة : تتوقعين يبيعون في بقالات القرينة أشياء قديمة
منيرة : هي فيها بقالات أصلاً
رؤى : يؤ .. لهدرجة تعتبر قرية ميته
منيرة : مدري .. بس يعني عشان ما تنصدمين اذا شفتيها .. أعطيك أسوأ الاحتمالات
رؤى : احسكم ظالمينها
منيرة : هذا الواقع .. الا وش قصدك بأشياء قديمة ؟
رؤى : قصدي بسكوت لولو الصغيرة
منيرة : ابو قرطاسه حمراء
رؤى : مدري .. نسيت .. هو قرطاسته حمرا ؟
منيرة : الظاهر ..
توقفت ذاكرة رؤى عند ثامر ، يوم أن أعطاها بسكوت لولو ، الذي تراه لأول مرة في حياتها ، ولم تره بعدها أبداً
( لا ثامر .. ولا بسكوت لولو )
نظرت إلى السماء برجاء .. ثم دعت في سرها :
" يارب يجي ثامر .. من سنين ما شفته "
BBP