عرض مشاركة واحدة
قديم 28-08-2007, 07:55 PM   #10
GivenChy
. . : زعيم القناصين : . .
 
الصورة الرمزية GivenChy
 
افتراضي رد: ...( قدرٌ .. و شؤم ! ) ...




\
/



أسندتُ ظهري المتعب للحائط ..

وأسدلت العنان لدموعي لتغسل وجنتيّ ..

وأغمضت عينيّ حتى لا أرى إلا السواد ..

الذي رأيته في حياتي كلها ..

دون أن تكون عيناي مغمضة !



\
/


" هل من الممكن أن تخفض صوت المسجلة قليلاً ..

رأسي يؤلمني !
"

" أهذه علامات الهرم ؟!"


"
اسكت .. ألم تر أنني في زهرة شبابي مازلت "

ضحك خالد حينما رأى علامات الغضب ترتسم على وجه أخته سلوى ..

وإن حاوَلت ألا تظهرها !


" أنتن النساء ! يغيظكنّ ذكر الكِبَر وأن الانسان سـ يهرم ..

رغم أننا سـ نكبر جميعاً .. ويغزو الشيب رؤوسنا .
."

" ولكنني مازلت صغيرة .. ألا ترى انت ؟"

أدرفت سلوى بغضب ..

" حسنا حسنا ياطفلتي .. أيرضيك هذا ؟!"

"خالد .. انظر أمامك .. هل من أحدٍ ينام هنا في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟!"

نظرت سلوى إلى تلك المرأة المتدثّرة بغطاء مهترئ ..

" توقف ياخالد ارجوك .. لنرَ مابال هذه المرأة المسكينة هنا ..

لربما أمكننا مساعدتها
"

" أنقف لأجل كل من نراه طريحا مفترشاً طريق المارّة ؟ "

"
كم أنت قاسٍ .. مابال قلبك ؟! أهو كالحجر ؟! "

صرخت سلوى .. وتساقطت دمعاتها رأفةً لما رأت ..

" حسنا .. سأقف .. فقط امسحي تلك الدموع التي تتساقط بسرعة ! "

التقطت منديلا ورقيا وراحت تمسح بضع دمعاتٍ تساقطت على وجنتيها ..


ركن خالد سيارته بمحاذاة الرصيف ..

" سوف أنزل انا اولا .. فلربما لا تتحدث معك

عندما تراك رجلاً

تقف فوق رأسها
"

" حسنا ياسيدتي .. انزلي انتِ وانا سأكون بجواركما "

نزلت سلوى من السيارة بخفّة ..

واقتربت بخطوات خجلى من هذه المرأة ..



\
/


لا أدري ماذا حصل لي .؟

لا بد أن النعاس غلبني ..

كنت وحيدة قبل دقائق .. أما الآن تقف فوق رأسي فتاة ..

الرعب يتملكني .. ترى ماذا تريد مني ؟!

تدثرت بالغطاء أكثر حتى أخفي معالم وجهي لأان نور المركبة كان موجّهاً نحوي ..

ولكنني لم أحسن صنيعاً .. إذ أن الاضاءة ازدادت حدةً و هذه الآنسة تحدّق بوجهي الآن ..

ولست أعلم ماذا تريد .. ولمَ تطيل النظر فيّ ؟!


\
/


اقتربت خطواتي اكثر .. واعتصر قلبي ألماً ..

يالها من مسكينة !

يبدو أن السنين العجاف آلمتها ..

ياللعجب .. يبدو من هيئتها أنها صغيرة ..

ترى .. ماالذي حصل حتى تخرج في هذه الساعة المتأخرة من الليل وحيدة وفي هذا المكان المروع ؟!

هززتها بلطف .. الظلام دامس هنا وهي تتدثر غطاءاً اسود ..

برغم أنه مهترئ إلا انني لا أرى جيداً ..

أشرت لخالد بأن يزيد الاضاءة قليلا علّي أرى قسمات وجهها لأحادثها ..

كـ طفل صغير وديع .. تحدق فيّ !

وتمتلأ نظراتها بالاسئلة ..

وجهها طفولي .. وعيناها ملأى بالدموع ..

وكأنني رأيت هذه الوجه من قبل .؟!

وقفت صامتة ..

أحاول جاهدةً أن أتذكر من أمامي ..

أنا متأكدة أنها كانت في حياتي يوماً ما ..

أيعقل فعلاً .. !

سكنت حواسّي فجأة ..

صمت بداخلي كل شيء ..


بكل ألم .. تذكرتها !

وصرخت ..



\
/



يا الله ..

صرخَت بشدة ..

نطقت اسمي ..

رفعت غطائي قليلا .. مسحت أدمعي ..

أطلت النظر فيها علّني أتذكر ..

من هي حتى تصرخ بإسمي وتناديني ؟!

ذاكرتي لا تسمح لي بأن اتذكر أحداً ..

يكفي أنني أتذكر جراحي ولا تمحى .. فهي لم تترك مجالا للذكريات الجميلة أن تبقى ..

أوَ يتذكر الانسان الألم والفرح معاً ؟!

خلقنا لنعيش أفراحنا واحزاننا .. نواجهها ..

تبقى خالدةً في الذاكرة .. يتذكرها الناس ليسعدوا أو يشقوا

ولكنني أتذكرها لأشقى .. ولا أسعد أبداً !


" من أنتِ ؟! "

أول شيء نطقت به شفتاي بعد صمت طوييل ..

" يا إلهي يارهف .. ماذا حدث لكِ ؟! "

حاولت جاهدةً أن اكون قوية .. ولكن رغماً عني تساقطت دمعاتي ..

مللت البكاء .. كرهته !


"أنا سلوى .. أتذكرينني ؟!"


سلوى ..!

صدى صوتها تردد بداخلي ..

ورجعت ذاكرتي للوراء بعيداً
..


\
/



" صباح الخير يارهف .. سنقيم حفلة تعارف صغيرة في منزلنا .. وقد دعوت صديقاتي وانتِ منهن .. سـ اكون ممتنّة إن حضرتِ فالكل متشوق لحضورك "

" حقاً .. سأبذل قصارى جهدي لأقنع أمي بالمجيء"


"أمي .. سلوى صديقتي سـتقيم حفلا صغيرا للفتيات وقد دعتني لحضوره ..

أَأَملك أن أحضر ؟!
"

" أنا لا أملك أن اوافق .. عليك أخذ الإذن من عمّك .."

"أوَيحشر انفه في كل صغيرة وكبيرة .. ومادخله هو ؟

كم أتمنى يا أمي لو أنك رفضتي .. ولم تأمريني بأن آخذ الإذن ممن لايملك شأناً
"


"ومنذ متى تذهبين إلى حفلات .. هاه ؟!"

"آه .. اترك شعري .. لقد آلمتني ! "

"من المؤكد أنك تذهبين من ورائي .. تكلمي .. مع من تذهبين ؟!"

[COLOR="Purple"]انني أتألم .. ضرباته لي مؤلمة وموجعة .. [/COLOR

"لم أذهب إلى اي مكان ..ابداً "

" قلت لأمك مرارا .. الفتاة مكانها المنزل .. امهاتنا لم يتعلموا ولم يذهبوا للمدارس ..

لمَ لا تمكثين في البيت وكفى ؟!

لقد بدأتِ تنحرفين .. وتريدين الذهاب للحفلات أيضاً
"

قذفني بيده على الأرض ..

"من الآن وصاعدا .. لا تذهبي للمدرسة .. أسمعتِ ماقلته ؟!"

أغلق الباب خلفه بقوة ..

"سلوى .. عذراً .. لن أستطيع المجيء هذه الليلة "

"ولماذا يارهف ؟! ألم تعديني بأنك ستحاولين .. هيا فنحن ننتظرك"

"قلت لك لا استطيع صدقيني .."

"نبرة صوتك غريبة .. أتشكين شيئاً رهف ؟!"

"نعم .. معدتي تؤلمني قليلاً اعذريني "

قلتها وأنا اشعر بمرارة في حلقي .. مرارة الظلم !

"لا عليك ياعزيزتي .. اشربي كوباً من النعناع فهو جيد للمعدة "

"اوصلي سلامي للجميع .. إلى اللقاء"


\
/


سلوى ..

من اين أتيتِ ؟!

وكيف ساقت بك الاقدار إليّ ؟!

أرأيتِ ما آل إليه الحال .؟!

أرأيتِ كيف يمكن للشقاء أن يرسم للمرء طريقاً .؟!


\
/


عندما أطلت النظر فيها ..

وتمعنت في قسمات وجهها ..

حلّت عاصفة في داخل رأسي آلمتني بشدة ..

صرخت ..

لأنها كنت من ماضيّ أنا ..

أيعقل هذا أم خانتني الذاكرة ؟!

أهي رهف .؟!

يا الله ..

اعتصر الألم قلبي وانا اراها بهذا الحال ..

لن أصفها فلن تترجم الكلمات مارأيته ..

اقتربت منها اكثر ..

وحدقت فيّ بذهول أكثر .. لأنها لم تعرفني بعد

ذكّرتها بي وبأيامنا ..

كانت عيناها تترجم كل مابداخلها ..

نظرات للمجهول .. وخوف مما هو قادم ..


\
/



ترجتني أن أذهب معها للمنزل ..

أزحت النظر إلى المركبة لأرى من بداخلها ..

أفهمتني بأنها كانت مع اخيها ورأتني .. وأحبت أن تساعدني ..

ولم تدرِ بأنني صديقتها ..

وأنها لن تدعني في هذا المكان عرضة لكل شيء ..

لم يكن هناك مجال للتفكير في الذهاب او المكوث ..

فأنا فعلا لم أكن أعلم كيف سأمضي بقية ايامي هكذا ..

وكأن مجيء سلوى يد عون من الله مُدّت لي ..


\
/


قمت بتثاقل .. اجرّ خلفي حقيبتي ..

حملت همومي ومشيت ..

لمحت أمامي شجرة تتساقط أرواقها المصفرة واحدة تلو الاخرى ..

تمنيت بداخلي لو أن الاحزان تظل متشبّثة بالماضي ..

تحبه ولا تطيق الابتعاد عنه ..

تمنيت انني عندما رميت خلفي ماضيّ ومشيت للأمام تساقطت احزاني ..

وركضت خلف الماضي تحتضنه ..

تمنيت .. وغفوت لأحلامي .. أفقتُ لأكتشف أن لا الماضي ذهب .. ولا حتى الأحزان !

وإنما الروح هي التي ذهبت !


الحزن .. يقتل الانسان شيئاً فـ شيئاً ..

يترك القلب كالبيت المهجور .. يذيبه ببطء ..

كـ شمعة مشتعلة تتساقط قطراتها على الأرض ..


يذيب الحزن قلبي .. وتُقتلُ آمالي ونظرتي المتفائلة شيئا فشيئاً ..

ولكن لابد للفرح أن يأتي يوماً !



\
/


عرفت من سلوى أن هذه الفتاة كانت يوما ما صديقتها ..

وان ظروفها قاسية جداً ..

أسرتني .. وجهها الملائكي البريء ونظراتها التي يملؤها الخوف ..

خالد .. مابالك ؟ افق ! انت لاتعرف حتى من تكون هذه الفتاة ولم ترها

إلا هذه المرة فقط ..!

ولكن .. الحب يطرق القلب فجأة ..

أأحببتها لمجرد أني رأيت وجهها وركبت معي في سيارتي ؟!

ماهذا الهراء .؟!

ازحت المرآة حتى لا أرى من أسرتني وهي تجلس في المقعد الخلفي ..



" إلى اين الآن ياسلوى ؟!" ..

طرحت هذا السؤال مبدياً عدم اهتمام ..


" إلى المنزل " ..

وكأن سلوى احست بالخجل من سؤالي .. شعرت بانه نوع من الغباء !

فـ من الطبيعي أن نقلّها للمنزل لتقضي يومان على الاقل ..

فـ منظرها يوحي بأنها هربت من المنزل ..!

وليس من المعقول أن نرجعها لمكان هربت منه مرة أخرى !



\
/


أحسست بالأمان .. لا أعلم لماذا ؟!

ولكنني ولأول مرة احسست بروعة الشعور ..

تسلّل بداخلي ببطء .. يبحث عن مكان بداخلي

اقتحم عالم قلبي المليء بالخوف والتيه ..



" أتمنى أن تبقى بداخلي .. للأبد !" خاطبته بلغة الأرواح ..

وأيقنت أنني اقدمت على حياة جديدة لا بدّ ..

أتمنى أن تكون أفضل من سابقتها ..


\
/


نعيش بالأمل ..

نستمدّ منه العون .. لنستمر في ركب الحياة ..

بدونه .. كيف لنا أن نعيش ؟!



طوال سنين عمري .. كنت اتجرع أملاً

لست أدري من أين كنت استمدّه ..

فلا شيء حولي طوال حياتي يسندني .. ويعينني أن أبقى

لربما حب أمي واخوتي الذي مازال ينبض بداخلي ويكبر ..

احنّ إليهم كثيراً ..

واتساءل عن حياتهم كيف هي الآن ..

تتراءى لي خيالاتهم .. أقترب لأحضنهم بحبّ

بشوق ولهفة ..

أكاد ألامس أيديهم ..

هم بقربي .. اشعر بانفاسهم .. ترى لمَ نظرة الحزن هذه ؟!

ألستم فرحون بلقائي ؟!

أشعر بوجودكم أن الدنيا أصبحت بيدي ..

أكتشف بعد لحظات أنني لم أحضن سوى الهواء ..

وأن خطواتنا بعيدة .. جداً

وبما أنني اخترت الهروب .. فعليّ أن أتحمل كل هذا العذاب !


\
/


حينما تبتعد عمن تحب .. تفارقه ربما للأبد

كم هائل من العذاب يحلّ بقلبك المسكين ..

تمتلئ أحلامك بآمال اللقاء ..

بأجمل الايام .. واللحظات ..

حينما تصحو .. تشعر بقربه ..

يبتسم لك بلطف .. ويتمنى لك يوماً سعيداً

أتسعد أيامنا بعيدا عن احبابنا ؟!


أحلم بأمي كثيراً .. أكاد أموت شوقاً

تباً لواقعي .. تباً !



\
/



دلفنا لباب الشقة معاً ..

" حسنا .. سوف أحظى برفيقة لي في منزلي .. كم هو ممتع ! " اردفت سلوى بفرح ..

" منزلنا متواضع .. كما تعلمين , فقدت أبويّ في حادث سير منذ خمس سنوات ..

أمضينا انا واخي شهران فقط في منزل والديّ .. ثم قررنا بيعه والذهاب لمنزل أصغر ..

لأن وجودنا هناك كان يعذبنا .. فانتقلنا إلى هنا .. يكفي أن نكون مع بعضنا حتى لو كنا على

سطح القمر
" ضمت يد اخيها بحنان ..

شعرت بألم .. وكأن خنجراً طعنني في قلبي ..

هي لم تقل شيئاً .. لكنني احسست بتأنيب الضمير لتركي اخوتي وأمي ..

إذ ان الحياة لا تحلو إلا بقربهم .. رغم كل مانعانيه سوية ..

رحت في تفكير عميق ..


" رهف .. أنتِ هنا ؟! "

أطلّت بوجهي متساءلة ..

" هاه .. نعم سلوى .. انني استمع لحديثك "

شعرت بالحرج .. إذ أنها تكلمت كثيرا كما يبدو ..

لكنني كنت في عالمي .. بعيداً جداً


" حسنا .. سوف تنامين هنا "
فتحت لي باب الغرفة ..

غرفة متواضعة .. أرضيتها التي تكتسي بلون الورد أراحت عينيّ المرهقتين ..

يتوسطها سرير .. ومن جانبه طاولة صغيرة تحمل بعض الكتب كما يبدو ..

في احد أركانها يقبع دولاب للملابس .. وفي الركن الآخر وضعت مزهرية امتلأت بالورود
..

" آمل أن تعجبك .. إنها بسيطة جداً .. وضعناها تحسباً لقدوم ضيف ما ..

وكأن القدر كان يلهمنا بانك أنت الضيفة القادمة
"

" سوف أتركك الآن لتأخذي قسطا من الراحة .. سوف اكون بالقرب إن أردتِ أي شيء فقط لا ترددي في طلبي "

ابتسمت بلطف بالغ .. خرجت وأقفلت خلفها باب الغرفة

"حسنا .. ماذا عليّ فعله الآن ؟! " خاطبت نفسي ..

"انني لا أملك خياراً آخر غير المكوث هنا .. بل عليّ ان أكون شاكرة لهما طوال حياتي "

سكتُ مطولاّ .. " وهل سأبقى لديهما بقية عمري ؟!"

\
/


أصبح التفكير رفيقي الدائم .. ومنذ متى لم أفكر أصلاً ؟!

حين كنت في منزلنا .. كنت أفكر كيف أسيّر حياتنا للأفضل ؟!

كيف ألملم شتات إخوتي .؟!

كيف أجعل امي تبتسم رغم الألم ؟!

كنت أكافح .. فقط لأرى ابتسامات اخوتي .. واسمع ضحكاتهم ..

فقط في هذه اللحظة .. كأنني ملكت الحياة بأكملها !

كان تفكيري فقط في أمي .. واخوتي

آلامهم .. همومهم .. مشاكلهم ..

أقتل آلامي واحلامي لأجلهم ..

أسرق ضوء شموعي لأضيء شمعاتهم ..

أداريها بشدة كي لا تنطفئ ..

أصبحت أماً برغم صغر سني ..

كنت لا أحفل بآلامي .. ولا أرسم لحياتي طريقاً ..

بل لمن حولي .. لمن كنت مسؤولة عنهم

وحين قررت الرحيل .. زاد همّي

أصبحت أفكر كيف هي حياتهم الآن ؟!

بعد غيابي .. أما زالت شمعاتهم مضاءة ؟!

أما زال الأمل يحدوهم للمضي في ركب الحياة ؟!


\
/


" أتعلمين يارهف .. بـ ودّي أن اصبح طبيبة حين أكبر "

" جيد جداً ياعزيزتي .. حتما تستطيعين فعل ذلك .. إنني أثق بقدراتك ..

من المهم ألا نجعل رتم حياتنا يؤثر على أحلامنا
"

" سوف أعالج المرضى .. وأكون حنونة عليهم .. سوف أحظى بمرتب جيد

يكفل لنا حياة طيبة .. سوف أشتري لنا منزلاً .. وأنقل والدتي له ..

وانتم ستكونون معي .. سنعيش سوية
"

احلمي يا أختي الغالية .. ماأجمل الأحلام !

\
/


" رهف .. ألا تودين تناول طعام العشاء ؟! "

" حسنا ياعزيزتي .. سوف أخرج "

\
/


مر يومان على وجودي هنا ..

بوجودي معهم أحسست بالدفء .. بالأمان

كم هم لطفاء معي جداً !


\
/


لا أعلم ماذا يحصل لي ؟! ولكنني اشعر بإنجذاب غريب لهذه الفتاة ..

أحسست بالشفقة عليها .. فقد حدثتني سلوى عن حياتها بعض الشيء

تتمتع بهدوء شديد .. وتتصرف بعقلانية

أيبدو أنني بدأت أحب ؟!

ماهذا الهراء ؟! كيف أحب فتاة لا أعلم عنها شيئاً ؟!

يبدو أنها شفقة فقط .. وماعدا ذلك فهو وهم !


\
/


أيملك الناس أن يمنعوا أنفسهم من أن يحبوا ؟!

لا احد يملك ذلك ..

مشاعرنا هي الشيء الوحيد الذي لا نستطيع أن نسيّره أو أن نتحكم به ..

هي تميل .. وتحب .. ونحن نسير خلف ذلك !

إما لـ عذاب ..

وإما .. لحياة رائعة !


\
/


عرفت من سلوى أنها أكملت دراستها ..

وإلتحقت بالجامعه هذه السنة ..


" وأنتِ يارهف ؟! "

سألتني ولم تدرِ بأنها أثارت فيّ شجوني ..

سكتُ مطوّلاً .. شعرت برغبة في البكاء ..

استجمعت شجاعتي ..


" لم يكن لديّ مجال لأكمل دراستي .."

قلتها وأملت برأسي كي لا ترى دمعاتي ..

\
/



كانت سلوى تذهب لجامعتها صباحاً ..

وأمكث في المنزل لحين عودتها ..

في حين أن أخيها يعمل في شركة لا يخرج منها إلا في وقت متأخر قليلاً ..


" من اليوم فصاعداً سوف أقوم بعمل الغداء "

" لا ترهقي نفسك .. بعد عودتي من الجامعة سوف اتولى هذا الأمر "

" سلوى .. لا داعي لمثل هذا الكلام .. إنه ليس بالعمل المتعب ..

ثم إنني لا أعمل شيئاً مذ أتيت إلى هنا .. دعيني أردّ جميلكم ولو بالشيء البسيط
"

\
/


" هيا ياخالد .. لقد تأخرت عن عملك ! "

" سلوى .. إنني متعب اليوم اتركيني .. لن أذهب اليوم لعملي .. اذهبي انتِ لا عليك "

" أتشكو من شيء ؟؟ أيستلزم الأمر أن أعتذر عن حضوري اليوم ؟؟!"

أبدت سلوى قلقاً واضحاً على اخيها ..

" إنه مجرد ألم في رأسي .. صدقيني "

" حسنا .. إن احتجت لبعض المسكنات سوف تجدها في غرفتي "

\
/


" يا الله .. لقد تأخرت في النوم قليلاً "

نظرت للساعة بجانبي .. يا إلهي !

إنها تشير للعاشرة صباحا .. يبدو أن سلوى كانت مستعجلة فلم تتأكد إن كنت أفقت من نومي أم لا ..

قمت من فراشي بتثاقل .. ما هذا الكسل ؟!

سوف اذهب لأعد لنفسي فنجاناً من القهوة ..


\
/


اتجهت للمطبخ .. كان كل شيء يبدو هادئاً ..

أعدت سلوى طعام الافطار بنفسها ..

أخذت فنجان قهوتي واتجهت لغرفة المعيشة ..


\
/


كانت صورة خالد تتوسط غرفة المعيشة ..

لم يكن يشبه سلوى ..

كان يتمتع بملامح شرقية .. جميلة

أخذت دفتراً كان على الطاولة .. وقلماً

وشرعت بمحاكاة الصورة الماثلة أمامي ..

أشعر بمتعة عظيمة وانا ارسم .. أعشق الرسم كثيراً

وكان الهدوء حاضراً .. مما ساعدني على التركيز ..


\
/


خرجت من غرفتي ..

وجدت غرفة رهف مفتوحة ..

البيت يبدو هادئاً .. ساكناً

ويعبق برائحة الورد ..

اتجهت صوب غرفة المعيشة ..

اقتربت أكثر ..

هناك .. رأيتها جالسة .. منهمكة في شيء ما ..

اقتربت بهدوء .. لا أريدها أن تسمع طرق حذائي ..

فقط .. أريد أن اتأملها عن قرب !

وقفت خلفها مباشرة ..

ترسم !

نظرت بذهول ..

إنها ترسم شخصاً .!

وكأنه ليس بـ غريب ..

حدّقت في الصورة أكثر ..

يبدو أنه أنا !

رفعت عينيها لصورتي المعلقة .. شاهدتها بضع ثوانٍ .. ثم عادت لتكمل مابدأته

إنها مبدعة ..

أعجبتني تقاسيم وجهي التي صوّرتها ..

جعلتني أبدو أجمل .. من الحقيقة


وقفت مطولا .. بدون شعور

أبحرت في عالم آخر .. هكذا يبدو

لدرجة انني لم اشعر بها عندما أحست بوجودي ..

غطت بكلتي يديها لوحتها ..


بانت علامات الخجل على محياها .. وكان لابد من تدارك الموقف

" كنتُ .. في الحقيقة .. اممممم ..

مررت من هنا .. رأيت النور مضاءٌ فأحببت أن أرى
"

" لم يكن هنا من نور .. إنها أشعة الشمس " نطقت بها ضاحكة ..

وكأنها أحست بأنني أبحث عن عذر أبرر به وقوفي أمامها ..

" من الواضح أنك ترسمين بمهارة "

نظرت إلي وإلى الصورة التي تحملها .. وحاولت أن تضعها خلفها

في محاولة بائسة لإخفائها ..

" هل ترسمين منذ فترة طويلة ؟! " تساءلت محاولاً تلطيف الجوّ قليلاً ..

" في الواقع .. نعم "

" هيا تكلمي .. أشعر بأن هناك حواجز بداخلها تمنعها من الحديث وبـ ودي لو استطيع

كسرها .
." تحدثت في نفسي .. وأطلت النظر في فنجان قهوتي الذي يتصاعد منه البخار ببطء ..


" كنت دوماً احب محاكاة الصور .. لعلك تساءلت عن سبب رسمي لصورتك ..

رغم أنني في الفترة القريبة التي سبقت وجودي هنا بدأت ألجأ للخيال ..

كنت أحاول رسم أناس بدت حياتهم طبيعيه .. سعيدة

كنت أظن أن السعادة فقط .. تكمن في رسوماتي ..

تختبأ خلف هؤلاء الناس الذين أجتهد في رسم تقاسيم وجوههم ..

وكأنها تأبى أن تخرج ..
"

تلاقت عيناي وعيناها لحظات ..

تراءت لي نظراتها .. تحمل البؤس والألم ..

لكنها رائعة .. بحق !

أزاحت وجهها عني ..


" سوف أذهب لأجهز الغداء .. سوف تحضر سلوى قريباً ..

وعليّ ان اسرع
"

ذهبت .. بخطى مسرعة ..

وتركت خلفها لوحتها .. الجميلة


\
/


أشعر بأن شيئاً غريباً يجذبني لهذه الفتاة بشدة ..

لم أكن أجلس في وجودها في غرفة المعيشة .. كي لا أضايقها

كنت ألجأ لغرفتي .. أو أذهب لأصحابي

كانت تتوارى خجلاً حين تراني ..

وتسرع للذهاب إلى غرفتها ..

أحببتها .. وكأنني لم أعد أرَ سواها ..

تواجدها منذ وقت طويل في منزلنا .. واحتكاكي بها

رغم الحواجز بيننا .. إلا انني شعرت بأنها قريبة مني

عندما رأيتها في ذلك اليوم ..

كان بـ ودّي لو يتوقف الزمن لحظات ..

فقط .. ليمنحني فرصة التأمل في وجهها

وقسماته .. البريئة والطفولية



\
/


منذ أن وعيت على هذه الحياة ..

وبعد وفاة والدي تحديداً .. لم أعد أعرف معنى أن أحب ..

وجود زوج أمي والأسى الذي عانيته طويلاً أفقدني الكثير من الأشياء

الجميلة ..

ملازمتي لإخوتي .. ومحاولتي أن يحصلوا على حياة أفضل ..

وعلى أمل ينعش قلوبهم .. ويعينهم على مسايرة آلامهم ..

منعني حتى أن أفكر في نفسي ..

كانوا بالنسبة لي كل شيء ..

مجرد ابتسامة من أحدهم تنسيني كل همّي ..

كانوا يلجئون لي في كل أمورهم وشؤونهم ..

عوّدتهم على أن أشاركهم في كل شيء .. في كل صغيرة وكبيرة

أتساءل كيف هم الآن ؟

هل اعتادوا على أن يتصرفوا بحرية .. بعيداً عني

هل مازالوا يترددون في أخذ قراراتهم ؟!

أتيت إلى هنا وانا اكاد أن اكون بلا قلب .. وبلا مشاعر

هكذا اعتقدت .. ولكن خالد أظهر لي غير ذلك

قربه مني .. ومحاولته مساعدتي في أي شيء

إظهار الودّ .. كل ذلك جعلني أحبه

هل يعقل فعلا أنني احببته ؟!

ام أنها محاولة للامساك بذاك الأمل الذي اختفى من حياتي ؟!

هل هو وهم ؟!

لا يهم .. سوف أعيشه بكل حالاته

على الأقل .. سوف أتذكر يوماً ما أنني أحببت

ومنحت قلبي بعض الحياة !


\
/


" خالد .. لك أن تتوقع من صادفني اليوم في الجامعه ؟ "

" من ياترى ؟! "

" هالة .. ابنة خالي .. عادوا من السفر وأتت لتكمل دراستها هنا "

" أمر جيد "

" هيا خالد .. ماهذا البرود ؟!

ألا تتذكر هالة ؟ حب الطفولة !

ألا تتذكر ما وعدك به أباها بأنها لن تكون إلا لك ؟!

أم أنك تخجل من رهف .. لقد اصبحت الآن فرداً من العائلة
"

هالة !

حب الطفولة !

ووعد الأب !

آهـ .. رأسي يؤلمني بشدة



" رهــــــــــــــف !"

\
/


فتحت عيناي ببطء ..

أشعر بأن جسمي يؤلمني ..

وأشعة الشمس تخترق عيناي بـ عنف ..



" حمداً لله .. لقد استيقظت "

" سوف أذهب لأحضر لها طبيباً "

" لا داعي لإحضار طبيب .. فأنا بخير .. إنه مجرد دوار "

" أأنتي متأكدة ؟! " سألني خالد بـ قلق ..

" نعم .. سوف أنام وبعدها سيزول الألم "

لم أعد أطيق رؤية وجهه .. مع أنني بالكاد عرفت شيئاً من أمرهـ

ولكن .. هذا الشيء كان كفيل بتمزيق قلبي .. بعنف


\
/


آهـ يارهف !

لو تعلمين أنني كدت أموت خوفاً عليك عندما سقطتِ امامي فجأة ..

اقتربت منك .. واحتضنتك علك تسمعين نداء قلبي وصوت خفقاته الخائفة

هززتك بعنف .. وزاد قلقي عندما لم أجد استجابة ..

حمداً لله أنك بخير ولم تصبي بمكروهـ .. لكنت قتلت نفسي !

ليتك تعلمين كم أحمل لك في قلبي من الحب !

ولكن .. تباً لسلوى !

ألم تكن تملّ من تكرار هذه الاسطوانة ؟!

هالة .. هالة .. هالة !

الليلة سوف آخذ قرارا حازماً ..

سوف أخبر رهف بحقيقة مشاعري ..

وبأن ماقالته سلوى لا يعدو كونه مجرد تخريف ..

رهف .. أنتِ الوحيدة التي ملكت قلبي

أنتِ فقط !


\
/


" خالد .. لقد وصلت هذا اليوم رسالة من ساعي البريد من مجهول ..

تحمل اسمك شخصياً
"

" حقا ؟! أعطني هذه الرسالة من فضلك "

قلّب خالد الرسالة بين يديه لبرهة ..

فتحها ..



عزيزي خالد ..

لست أعلم ان كنت أملك الحق في أن أناديك بهذه الكلمة التي طالما حلمت بأن تسمعها مني ..

فكرت كثيرا كيف أبدأ .. وماذا أقول ؟!

ولكني وجدت أناملي تسحب القلم بخفة وتخط لك هذه الرسالة ..

أكتب لك ياسيدي الغالي من مكان اخترت أن اكون فيه طواعية ..

حيث لا مجال فيه للحزن .. ولا للألم !

مكان لا أعرف ساكنيه .. غريبة بين جنباته ..

ولكن لا مكان للغربة في داخلي ..

مكان يحمل من الهدوء الكثير .. والراحة النفسية التي طالما افتقدتها

أنام مبكراً لأصحو وألتفت للوحاتي .. لقد رسمت منها الكثير

أصبحت أكثر احترافية فيها .. لأنني ارسمها صافية الذهن ..

حيث لم تترك لي أحزاني مجالاً للتفكير في شيء !

اعلم ياسيدي أنني احببتك كثيراً .. ولم أشعر بطعم السعادة إلا بقربك

ولكن يبدو أن عجلة الأقدار تسير ضدي دوماً .. وتأبى سعادتي

قالت لي جدتي يوماً عندما كنت صغيرة : البعض منا ياعزيزتي يكتب له زمانه الشقاء

فلا يسعد .. حتى وإن تذوق طعم السعادة يوماً لا بد لأحزانه أن تذكرهـ ..

ويبدو أن جدتي كانت تعلم أنني أنا من أحزانه لن تنساهـ !

في غمرة سعادتي معك وبقربك .. اقتحمت حياتنا هالة ..

اعتقدت أنك أحببتني .. ومازلت أزرع هذا الأمل في قلبي ..

حتى لا يموت تماماً !

أيقنت حينما سمعت حديث سلوى بأن الوقت حان كي أبتعد ..

فمن أنا ومن أكون حتى أفوز بـ قلبك ؟!

في تلك الليلة الهادئة .. حزمت أمتعتي وعقدت العزم على الرحيل ..

مررت بغرفتك .. وددت لو كنت معي .. ولكنها أحلام ياسيدي ..

أحلام !

مشيت في كل أركان المنزل .. في كل مكان اعتدت الجلوس فيه ..

على طاولتك .. وتلك الاريكة التي خصصت لك ..

احتضنتها وبكيت ..

لست نادمة على حبك .. ولكن قلبي حزين ياسيدي جداً

ولولا صورتك وبقايا منك في داخله .. لـ مات وانتهى !

احتضنني هذا المكان بكل هدوء .. وجدت فيه نفسي ولملمت بقايا حبي المقتول !

دعني أشكرك على كل مافعلته معي ..

أشكرك لأنك منحتني السعادة .. أذقتني طعمها وإن لم تدم

يكفي أنك أعطيتني إياها .. بكل ودّ ومحبة

أشكرك لأنك منحتني أملاً سأظل اعيش به ماتبقى من سنيني ..

أشكرك لأنك احتضنتني وسلوى بكل حب .. ولم تتذمرا طيلة فترة بقائي معكما ..

كل الأمل أن تُطوى صفحتي .. وسيظل اسمك بقلبي ماحييت ..

بكل الحب ..

الوداع ..



رهـف !


تــــــمـــــــــت ..

التوقيع:
..






اللهـُمّ وفـّقنـِي لـِكُلِّ عمـلٍ صـالحٍ ترضـى بهـ عنّـي ,
وقـرّبـنِـي بهـِ إليـك زُلـفى ...

أسـتغفركـ ربـّي وأتـوب إليـك ..



GivenChy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس