بثياب رثة.. ووجه شاحب.. وأيد معروقة.. وأقدام حافية.. ورأس دب فيه المرض.. تجده ينام في دكان مهجور على شارع رئيسي من أكثر من خمس سنوات.
وعندما يصحو من النوم تجده يجوب الشوارع بثوبه الممزق والذي تغير لونه للسواد من شدة الأوساخ ليقضي حاجته في أقرب مكان أمام العابرين دون أن يشعر بالخجل الذي يشعر فيه الأسوياء عندما يريدون قضاء حوائجهم أكرمكم الله.
أكثر ما يجذبه في رحلته اليومية التي تمتد في أي وقت يصحو فيه من نومه دون أن يعرف الوقت كان صبحاً أو مساء هو السوق النسائي الذي غالباً ما تشاهده المتسوقات فيه فلا يملكن له سوى الدعاء واضعات أيديهن على قلوبهن خوفاً من أي مكروه لهن لا قدر الله.
والبعض الآخر منهن يفجعن بمنظره البائس وهندامه الذي يصور مدى معاناته فتتعالى أصواتهن مستنجدات بالعاملين في السوق لابعاده عنهن والذي لا يكلف القادمين "للفزعة" سوى دفع ريال أو ريالين لكي يغادر ذلك المسكين لموقع آخر كالطفل الوديع.




حكاية مؤلمة يعيشها شاب تجاوز عمره الأربعين عاماً بعد أن فقد عقله ولم يجد من يأخذ بيده لإنقاذه من حياة قاسية يمر فيها كثيرون غيره ممن فقدوا عقولهم وأصبحت أسرهم تبحث لهم عن بصيص أمل لعلاجهم في المصحات النفسية وعندما عجزوا عن ذلك تركوهم هائمين في الشوارع ليواجهوا مصيرهم المحتوم.
بدأ هائماً على وجهه في الشوارع دون أن يتابع شاشات الفضائيات أو يستمع لحكايات الفنانين والفنانات وبورصة الأسهم أصبح يعيش حياته بدون هدف أو تخطيط مسبق قبل أن يفقد أغلى شيء يملكه الإنسان في الحياة وهو العقل.

منقول من جريدة الرياض ...