الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا،
لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن
علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء، { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]،
خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى، وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله
وجَرَى، ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى،
وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى، وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى،
وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى،
وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبِهِ
في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا، وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى، وعلى عثمانَ
زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى
بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.
إخواني: لقد أظَلَّنَا شهرٌ كريم، وموسمٌ عظيم، يُعَظِّمُ اللهُ فيه الأجرَ
ويُجْزلُ المواهبَ، ويَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ فيه لكلِ راغب، شَهْرُ الخَيْراتِ
والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات، { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرآنَ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185]،
شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرة والعتقِ من النارِ، أوَّلُهُ رحمة، وأوْسطُه
مغفرةٌ، وآخِرُه عِتق من النار. اشْتَهَرت بفضلِهِ الأخبار، وتَوَاتَرَت فيه الاثار،
ففِي الصحِيْحَيْنِ: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم
قال: «إِذَا جَاءَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ الشَّياطينُ».
وإنما تُفْتَّحُ أبوابُ الجنة في هذا الشهرِ لِكَثْرَةِ الأعمالِ الصَالِحَةِ وتَرْغِيباً للعَاملِينْ، وتُغَلَّقُ
أبوابُ النار لقلَّة المعاصِي من أهل الإِيْمان، وتُصَفَّدُ الشياطينُ فَتُغَلُّ فلا يَخْلُصونُ إلى
ما يَخْلُصون إليه في غيرِه.
.. رمضان :
شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري. وهذا الشهر شهر مميز
عند المسلمين عن باقي شهور السنة الهجرية. فهو شهر الصوم، أي ان المسلم
يمتنع في هذا الشهر عن الشراب والطعام والجماع من الفجر وحتى غروب الشمس.
كما نص في كتاب الله عز وجل : { كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم }
كما أن لشهر رمضان مكانة خاصة في تراث وتاريخ المسلمين ؛ لأنهم يؤمنون أن بدأ
الوحي وأول ما نزل من القرآن على النبي محمد بن عبد الله كان في ليلة القدر من
هذا الشهر في عام 610 م،حيث كان رسول الله في غار حراء عندما جاء إليه الملك
جبريل، وقال له "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وكانت هذه هي الآية الأولى التي
نزلت من القرآن، وحيث ان القرآن الكريم أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة
واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا في رمضان .
^ مُسمىَ شهرُ الخيرِ والرضوَان :
اشتق كلمة رمضان فقيل : إنه من الرمض وهو شدة
الحر فيقال: يَرْمَضُ رَمَضاً : اشتدَّ حَرُّه. وأَرْمَضَ الحَرُّ القومَ :
اشتدّ عليهم قال ابن دريد: لما نقلوا أَسماء الشهور عن
اللغة القديمة سموها بالأَزمنة التي هي فيها فوافَقَ رمضانُ
أَيامَ رَمَضِ الحرّ وشدّته فسمّي به.قال الفَرّاء: يقال هذا شهر
رمضان، وهما شهرا ربيع، ولا يذكر الشهر مع سائر أَسماء
الشهور الهجرية يقال: هذا شعبانُ قد أَقبل . وشهر رمضانَ
مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش
، قال الله عز وجل في القرآن الكريم :
{ شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن } .
"
تتكون أيام شهر رمضان من تسعة أيام من منزلة
الهمعة , وثلاثة عشر يومًا هي كل أيام الذراع ,
وثمانية أيام النثرة , ومجموع أيامه ثلاثون يومًا .
^ فضَائِل يَومْ رمضَانْ :
من فضل رمضان ان فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار،
لقول رسول الله " صلى الله عليه وسلم " : ( كل عمل ابن آدم
يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . قال الله عز
وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من
أجلي , للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ,
ولخلوف في أطيب عند الله من ريح المسك ) . رواه مسلم .
ويغفر الله لمن صام رمضان لقول رسول الله " صلى الله عليه
وسلم " : ( من صام رمَضَان إيمانًا واحتسَابًا , غُفرَ لهُ مَا تقدمَ
من ذَنبه , ومَن قَام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسَابًا غُفر لهُ مَا تقدم َ
من ذنبه ) متفق عليه .
وفي رمضان تزكية للنفس وقرب من الله ،فيه أيضا تغلق أبواب النار وتصفد الشياطين
وتفتح أبواب الرحمة.وقت الصيام في رمضان من بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس,
ورد في القرآن ((..وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل..)) (الآية 187 من سورة البقرة)
ومعظم الصائمين يصحون قبل بزوغ الفجر
ويتناولون وجبة صغيرة ويشربون الماء
(تسمى هذه الوجبة السحور) استعداداً ليوم الصوم, وقد ورد عن فضل السحور
أن رسول الإسلام قال "تسحروا فإن في السحور بركة"(متفق عليه). وفي الصوم
أيضاً يجب أن يمتنع المسلم عن الكلام البذيء والفعل السيئ كما ورد في الحديث
الشريف "إذا كان يوم صوم أحدكم؛ فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل
اللهم إني صائم"
. قال تعالى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات
من الهدى والفرقان" .