-1-
كانت والدتي - أكثر من يخاف - على أبناءها بقارة آسيا .
كانت والدتي - نشّبه - كما نقول بالمحْكي ، بشكل مو معقول ولا منطقي ولا يتناغم مع خوف الـ parents !
كانت والدتي - تخيلوا - تلبس عباة الرأس ، تُلاحقنا و تحرجنا ب ملاعب الحارة ، بسبب أنه آذّن المغرب و لم ندخل البيت لنتوضأ و نلحق الصلاة .
كانت والدتي - أكثر من يطلب الملح و المقص من حريم الجيران - و ب نفس الوقت كانت أكثر من يقيم الولائم و العزائم لهن .
كانت والدتي - من كثّرة عزائمها - نضحك عليها كأبناء و نقول : وش عندها الأميره ديانا ، كل أسبوع عزيمه !
كانت والدتي - تزْعج المُرشد الطلابي - بسؤالها : هل أبنائي لا زالوا في المدرسة أم قفزوا السور؟ ليرد المُرشد: هم خارج أسوار المدرسة منذ الحصة الرابعه
ل تنتهي المكالمه ب حلطمتّها ب : حسبي الله و نعم الوكيل . فيما نحن نتمخطّر بالدور الثاني من مجمع الراشد في أولى أيام إفتتاحه .
كانت والدتي - تبكي و هي تتابع مسلسل جواهر - و بنفس اللحظة تقوم بدهن أظهرنا بالـ فِكّس نتيجة السُعال و الكحّة إن أنتابت أحدنا .
كانت والدتي - تعيل علينا كثيراً - و ترى فينا الأمل و الحلم و المُستقبل و كل شي ، كانت أكبر عاشقة لآبناءها ، حتى بدأنا نغْيِر من بعضنا البعض شِدة حُبها لنا .
كنا مدمنين لـ صقور الأرض ، و سنشيرو و سالي و عدنان و لينا و النمر المقنع و ماوكلي و المناهل ، ذلك الكتاب الذي - يطامر - بين رفوف المكتبه!
ف الوقت نفسه كانت اللعنة ستلحق من سيُبْدل القناة السعودية الأولى نهار الجُمعة !
-2-
أُبتعث والدي الضابط كبير الرُتبة للخارج ، و عاش سنواتٍ بعيداً عنّا .
ثم حرص على أن نُقيم معه بـ ولاية كالفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكيه .
درسنا في مدارس الـ rolling hills ب لوس أنجلوس ، لمدة أربع سنوات .. وكان ملاذنا الويكندي هو الـ ديزّني لاند .
جاورنا المسيحي و اليهودي و الـ لاديني ، و عشنا ك بُسطاء محبوبين من كافة الكامب الذي قطنّاه .
صاحبت " إلزابيث " وهي صديقتي بالـ مدرسة و انتمّتي عى قولت - المصريين - و كانت أول من أضاف لمعلوماتي أن القُبل تُعطى من الفم !
وإنها - و اعني القُبل - لا تُقتصر على حك الخشم كما نفْعل جنوباً ..
تتلمذت على يد الـ مس سميث و الـ مس ووُلف.. و أمين المكتبة : جونسون .
كنت أردد السلام الوطني الأمريكي واضعاً يدي على صدْري إحتراماً ل المدرسة و الطلاب و الأرض التي أقيم فيها .
في الوقت ذاته ، كان والدي يأخذنا كل عيد وطني .. لـ نلعب و نرقص ، العرضة السعودية في مقر السفارة واشنطن دي سي .
أحترفت الرقص على الجليد و الجُولف و كرة القدم و تِنس الطاولة و برعت في الكاراتيه حتى وصلت الحِزام الأخضر .
لم يكن يسمح لنا بالخروج ليلاً بشريطة أن نكن سوياً ، مرددين على مسامعه رقم المنزل و إسم الحي ، فيما لو أصابنا مكروه .
في امريكا ، دخلت كنائس الكاثوليك و الارثدوكس و حضرت الجنازة المسيحية ، للإطلاع و المعرفة لا أكثر ..
فيما كنت أرافق والدي لصلاة الجمعة في جامع المسلمين الذي يبعد عن منطقتنا مسافة الـ ثلاثين كيلو.
فترة حياتي كانت ما بين العاشرة والرابعة عشر .
كانت حياتنا ب كالفورنيا مُختلفة ، جداً جدا ًجدا ً .
-3-
كان والدي يحرص على أن نتعلم فضائل إكرام الضيف و الـ أرْحبو ، و الـ أقلطوا و يالله حيّهم .. و أخواتها
في الوقت الذي كان يشدّد على أن ينهي كٌل منّا رواية أدبية مع نهاية الأسبوع ..
كان والدي يعلم جيداً ما يفضلّه أبناءه في مطعم Red lobster ، و ما يختارون من Baskin Robbins
في الوقت ذاته كان يجبرنا على أن نآكل العصيدة بمرقتها لحماً كانت أو دجاج مساء كل جمعة .
والدي لا يحب إطلاق لحيته ، و لكني لا أتذكر أن صلاةً قد فاتُه وقتها .
والدي يتحدث الإنجليزية ب طلاقة ملفتة و رهيبة كونه عمل في سلاح الجو الملكي السودي ما فاق الـ خمسة و الثلاثون عاماً
في الوقت نفسه عُرف عنه حفظه - عن ظهر غيب - لكافة الأمثال الجنوبية .
والدي لا يجيد إستخدام الأنترنت ولا يعلم كيف يُفتح ، لكنه أهدر الكثير من الأموال من أجل إحترافنا لشبكاته .
والدي كان كما مشاهد المسلسلات التلفازية ، يتسلل إلى غُرف نومنا ليلاً ليتأكد ن إحكام غطاءنا عن البرد ، و يطبع قبلة حانية على خدودنا .
و في الوقت نفسه .. كان لا يتردد توبيخنا و في ضرْبنا - ان لزم الأمر -، حينما يجدنا نائمون بعد أن أيقظنا لصلاة الفجر .
-4-
حرص والدي على تعليمنا في المدراس الخاصة حينما عُدنا للوطن .
ليس لوفرة ماله ، ولا تقليلاً بحق المدارس الحكومية ولكنه رأى بإن إبنه يجب أن يضعه مع ذات الطبقة التي رَبَى معها فكرا و منزلة .
و حينما أنتصف بي الطريق عند المرحلة الثانوية بين علوم طبيعيه أو أدبية ، كنت الوحيد الذي ألتحق بالأدب و الشريعة من بين أشقائي
كوني هاوياً ل أشعار الأخطل و كعب بن زهير .. أكثر من نظريات فيثاغروس و كيمياء ابن حيان .
كنت لا اتوانى في المشاركة بمسابقات التعبير أيً كانت ، و أنتظر الحروب و المصائب تحل في الأرجاء المعمورة على احر من الجمر لأكتب عنها
ك مناكب فلسطين و مجازر المُسلمين بالبوسنة و الهرسك و وفاة نزار قباني و تفجيرات الخبر و مقتل الأمير ديانا . في الوقت الذي كان الطلاب يكتفون بالكتابة
عن الأم و الأب .. و الصديق .. و رسم قاع البحر !
كنت مميزاً في الخط العربي بجذّميه النسْخِ و الرُقْعه ، و امتدت بي الرغبة حتى كتبت بالفارِسي والثُلث و الديوَاني و الكُوفي .
و أتذكر أنني كنت أرفض أن أقبض مالاً على من يريد أن أخطّ له لوحة جغرافياً أو تاريخ و أستبدل حقي في أن يُكتب إسمي بجوار كلمة " إشراف الأستاذ " و " عمل الطالب " .
و هذه البوادر ، لاحظها والدي .. الأمر الذي جعله يقتنع بصدق رغبتي بالتوجّه للقسم الأدبي لأصبح أديباً و قاصاً و صحافياً فيما بعد .
القصد بإنه ترك لي حرية الإختيار بعد أن أقتنع بميول إبنه .
-5-
ما كُتب ، ليست بسيرة حياة متناقضة ، أو سردٌ تراجْيِِدي لـ " طقوس " أسرتي المعيشية .
بل هو نبعٍ لنهر أسئلة تبحث في مصبّها عن إجابات .
-6-
أؤمن بأن تربية الأجيال السابقة كانت أسهل من الأجيال الحديثه و اللاحقة
في ظل تطور العصر بأفكاره و ايديولجياته و إختلاف أدمغة معاصريه ، معاصريه ممن يقودون المجتمع بمدارسه و منازله و مساجده و شوارعه .!
في وقتنا أنصهر الجيّد بالسيء و أختلط الفضْل بالرذْل و ماع الحلال وسط الحرام و أستوى المُعيب بالـ طبيعي .
في وقتنا أصبح الكثير يخاف الأبناء و الإنجاب و يذعر من حكاية التربية مردداً بين خلجات نفسه : على اي حال سأربّي أبنائي في زمنٍ كهذا ؟
-7-
شخصياً ، سعيد بتربية والديّ لي ..
و سأسعى لتكرارها مع ابنائي ببعض الإضافات أو التعديلات بلا شك .
فهذه التناقضات التي فرضها والدي بالتعامل كانت نتيجتها ان أدركت معنى النجدين من خير أو شر
أدركت المعقول من اللا معقول ، و على ضوء ذلك أبني حياتي .
الوسطيه التي بنى والديّ تركيبها في شخصيتي جعلت مني أقف بالمنتصف
بوجود الاخطاء - لا شك ولا مناص - ولست ب كامل بل ممتليء العيوب
لا لـ والديّ ناقة بإكتسابها ولا جمل .
-8-
وسائل التربية متعددة ، و إختيار الوسيلة الأنسب هي ما يجب على الآباء الُجدد فعله .
لبناء أسرة كريمة ، تعيش حياتها برخاء .
لي في والدي مدرسة أنهل منّها و لكم في آباكم كذلك .
تحياتي