الساعة الثامنة..انزل من العربة الذهبية بأبهى حلة ..شعري مسدل على كتفيّ..
والفراء الناعم يغطي ظهري..كنا شتاءً .. والثلج ينهمر على العاصمة الأوروبية "فينا"
دخلت المطعم مسرعة.. هرباً من كريات الثلج البيضاء..
سألت النادل عنك..
أجاب: لم يأتي بعد آنستي..تفضلي بالجلوس ..واستمتعي بوقتك إلى حين قدومه..


* * *


قبل عام من اليوم..كنا نلتقى كل مساء ..في تمام الساعة الثامنة..
نتبادل أطراف الحديث.. "الحب،المشاعر،الثقافات،الأغنيات،العواصم،...... ."
أكون حينها في أسعد أوقاتي..بعد ساعة لقاء..ينتهي الحديث..وتذهب أنت مع الريح في رحلةٍ جديدة تبقيني وحيدة حزينة إلى أن يحل يوم جديد..يحوي ساعةً "ثامنةً" جديدة ..تجلب لي السعادة..
بعد مدة..انفكت عقدة "الساعة الثامنة"
وأصبحت ساعاتي كلها سعيدة..أنعم بدفء الحديث معك في كل وقت،وكل ساعة.


* * *


كفلسفة شخصية...
أرى بأن الحب يأتي بلا موعد..يدخل "قلوبنا" متسللاً من حيث لا نعلم..لايدق الجرس،ولا يستأذن للدخول والجلوس، ورغم ذلك نسعد بزيارته ولا نتمنى انتهاءها..
عندما أعلمتك بفلسفتي ..أخبرتني بأنك تؤمن بنفس الفلسفة بالإضافة إلى "فلسفة الذكرى"
قلت لي يومها:
"الحب والذكرى،كالقهوة والسكر،شريكان في إيصال اللذة إلى أفواهنا،،سر محافظة القهوة على مكانتها العظيمة في عرش المشروبات هو السكر..نريد أن نحافظ على مكانتنا العظيمة في عرش المحبين بالذكرى"


* * *


أثناء نقاشات سابقة..سألتني: "أي يوم زار الحب قلبنا"
أجبتك: "لا أعلم..ولا تسألني مرة أخرى..فلن تجد إجابة..أيها الأحمق الوسيم"
أبتسمت قليلاً..ثم وكطفل وجد الخطة المناسبة لإقناع أمه بأنه مريض لايستطيع الذهاب للمدرسة..:rolleyes:
قلت لي : "فلنجعل اليوم الأول من كل سنة ميلادية جديدة ذكرىً لحبنا،لانذكر متى طرق الحب أبوابنا، لكننا نذكر أن لقاءنا الأول كان في بداية سنة جديدة"
* * *


في ديسمبر ..أصحاب الديانة الأخرى يستعدون لأعيادهم .. و"أنا وأنت" نستعد لذكرى حبنا الأولى..
يومها كنا في دار الأوبرا في العاصمة العربية المزدحمة..
وتلك المغنية القديمة ..قامت من قبرها لتغني لنا "ليالي الأنس في فينا"
لم أستمع إلى الأغنية ..كنت أتذكر حديثك لي عن العاصمة الأوروبية.. وأنها من اجمل مدن الدنيا..
تذكرت أيضاً حديث والدي عنها.. "والدي الذي أقام بها مدة أسبوع كامل ولم يصطحبنا معه".....
نظرت إليك..تنظر إليها "المغنية" بابتسامة حالمة..وبدأت خيوط الغيرة تطرز قلبي..
حولت نظرك إليّ "وتلاشى التطريز"
قلت و أنت تحمل نفس "الإبتسامة الحالمة"..سنزور "فينا"


* * *


اليوم أنا في "فينا" في أول يوم من السنة الجديدة..ساعتي تتجاوز الثامنة والنصف..و أنت لم تأتي بعد..
اشير إلى النادل، وأطلب صاحبة المكانة العظيمة في عرش المشروبات "القهوة"..
ينظر إليّ مستغرباً..(لا يعلم المسكين أننا أبناء يعرب نحتسي قهوتنا المسائية في الثامنة ، أما العشاء فبعد منتصف الليل،،دائماً نحن غريبوا الأطوار بالنسبة إليهم)
الساعة الحادية عشر إلا خمس دقائق..أنهي فنجان القهوة الخامس..وخيوط الخوف "تطرز قلبي" لأنك لم تأتي بعد..


* * *


منتصف الليل "الثانية عشرة" يخرج الزبائن لإكمال احتفالهم في مكان آخر.. أخرج "أنا" أيضاً لإكمال مصيبتي في مكان آخر..
يودعني النادل متمنياً لي عاماً سعيداً،والشفقة تلمع بعينيه..
أعود إلى الفندق ..كسندرلا خرجت حزينة من حفلة أميرها مسرعة مذعورة..
أنا حزينة مهمومة ..لم أقابل أميري ولم أرقص معه..


* * *


في بهو الفندق أرى رجلاً يرتدي بدلةً سوداء تبدو من ماركة "أرماني" التي تفضلها..
لا أرى إلا ظهره..وبفضول عربي معتاد .. ذهبت للجهة المقابلة ..حتى يتسنى لي رؤية وجهه ..
مشيت بخطىً مسرعة قليلاً..
ثم ...............................
ألتقت عيناي بعيني صاحب بدلة "أرماني" ..كان هو..
ينتظرني في بهو الفندق..علت وجهانا إبتسامةٌ غاضبة..
وفي لحظة واحدة قلنا "أين كنت ..أنتظرتك طويلاً "
ضحكنا ثم ضربنا الخشب <<تقليد نحبه " أنا ..وهن ..وهوأحبه أيضاً"
قلت : "أين كنت ..إنتظرتك منذ الثامنة مساءً في ذاك المطعم حسب إتفاقنا المسبق"
ضحك مرة أخرى وقال بحسرة: "آه..إنها عقدة النسيان كما تعلمين.. أكره النسيان ..وأحبك أنتِ"
* * *


تناولنا العشاء بعد منتصف الليل "لأننا عرب" ..وهنا أيضاً أستغرب النادل..
ثم تبادلنا الهدايا..
أهداني "ساعة رولكس"
وقال: "تعجبني رولكس وأتمنى أن تعجبكِ ..إلبسيها دوماً ..لاتحبينها ..أحبيها من أجلي"
أهديته "ديواني الأول" "أمسية الساعة الثامنة" .. وقرأ

الأهداء ...إلى هاء..
أتمنى أن يعجبك..ولا أكثر..

سألني مبتسماً : أأنا القاريء الأول..
أجبت: نعم أنت يا عزيزي..


* * *


إستمر إحتفالنا إلى ساعات الصباح الأولى .. "كعادة العرب"
أفطرنا في"فينا" ..أول فطور في عامنا الثاني..
إحتسينا عظيمة عرش المشروبات "القهوة"
رددنا مع المغنية القديمة "ليالي الأنس في فينا"ثم غلبنا النعاس ..
نمنا..
وكنا أسعد نائمين .. وأسعد حالمين في "فينا" وفي العالم بأسره..